تنتظر عائلة الشهيد أشرف نعالوة جلسة محاكمة والدته، في الحادي والعشرين من الشهر الجاري، والتي من المنتظر أن يُعلن خلالها الحكم عليها، بعد أن دانت محكمة عسكرية إسرائيلية، في سابقة، والدة مقاوم، لأنها لم تشي به للاحتلال الإسرائيلي، ولم تبلغ عنه.
وفاء مهداوي (54 عاما) اعتُقلت في أكتوبر/تشرين الأول 2018، من منزلها في ضاحية شويكة شمال مدينة طولكرم شمال الضفة الغربية، في إطار الضغط على ابنها أشرف الذي كان مطاردا بعد تنفيذ عملية إطلاق نار في مستوطنة "بركان" المقامة على أراضي سلفيت شمال الضفة، في شهر أكتوبر/تشرين الأول 2018، لكنها اليوم وبعد استشهاده بعملية اغتيال في نابلس، في ديسمبر/كانون الأول الماضي، تحاكم وتدينها محكمة سالم العسكرية الإسرائيلية، بتهمة "عدم منع مخالفة"، أي عدم القيام بمنع ابنها أشرف من تنفيذ عمليته.
يقول شقيقها غسان مهداوي: إن "محكمة سالم كانت، الخميس الماضي، أشبه بثكنة عسكرية. قرابة 15 مجندا فصلوا بين وفاء وبين من حضر المحكمة، ومن بينهم مستوطنون من عائلات القتلى، بعد أن بدأ المستوطنون بالشتائم. وإثر طلب الدفاع، تدخّل القاضي لضبط القاعة، لكن إشارات التهديد من المستوطنين بالأيدي بقيت متواصلة".
وحول التهمة التي أدينت مهداوي بها، يقول شقيقها: "إنها تأتي رغم تصريحها، في شهر مارس/آذار الماضي، أمام المحكمة في إحدى الجلسات، أنها لم تكن تعلم بنية أشرف تنفيذ عملية، وما قالته أثناء التحقيق القاسي معها يعود لملاحظات شخصية بسماع صوت إطلاق نار حول المنزل، وملاحظة كيس في يده، شكّت أنه سلاح، ولم تكن تعرف أنه لتنفيذ عملية".
ويقول مهداوي: "إن المحكمة اعتبرت إبلاغها لوالده بذلك لم يكن كافيا، فضلا عن اعتماد المحكمة على تلفّظ أشرف أمامها قبل العملية بفترة بأنه يتمنى الشهادة. وكانت مهداوي أبلغت القاضي، خلال جلسات المحاكمة السابقة، أنها لم تكن تربط شكوكها بحيازة ابنها سلاحا بنية تنفيذ عملية، بل استنتجت ذلك بعد تنفيذها، وأنها في يوم العملية قامت بإيقاظه وتجهيز طعامه ليذهب للعمل كعادته، من دون أن تلاحظ عليه أي شيء".
التحقيق مع والدة أشرف نعالوة كان قاسيا، وهذا ما ذكرته محاميتها، وروته هي الخميس الماضي، أمام قاضي المحكمة، كما يروي شقيقها الذي حضر الجلسة، فقد تناوب عليها 17 محققا، وكانت تعاني من آلام في الرقبة واليد، ويتم تعريضها لتيارات باردة وساخنة، فضلا عن الشتائم.
بعد قرابة 20 جلسة محاكمة، بعضها تكررت خلالها شتائم المستوطنين، يقول مهداوي: إن "المحكمة أشبه بمسرحية، فقرار الإدانة يقوم على الشك، والمحكمة تجاوبت مع المتطرفين والمستوطنين الذين يحضرون الجلسات، ويقوم الإعلام الإسرائيلي بتصويرها"، بينما لا يجزم شقيقها بأن يصدر، يوم الثلاثاء القادم، حكم بحقها، لكنه يتوقع أن تستأنف النيابة الإسرائيلية على أي قرار تتخذه المحكمة، إرضاء للمستوطنين، كما حصل سابقا من استئناف على قرار الإفراج عنها بشروط قاسية، ما أدى إلى إلغائه وبقائها في السجن.
تهم مشابهة يواجهها زوج وفاء، الأسير وليد نعالوة، الذي عُقدت له جلسة الخميس الماضي أيضا، وأحضرت هي كشاهدة حول إخبارها له بشكّها في وجود سلاح مع ابنها. ويُعتقل ابنها الآخر أمجد وتتواصل محاكمته. فيما تم اعتقال بناتها فيروز وهنادي وسندس لفترات مختلفة، وهدم الاحتلال منزل العائلة، في ديسمبر/كانون الثاني الماضي.
حالة وفاء مهداوي ليست الأولى لمحاكمة أمهات المقاومين الشهداء أو الأسرى، لكن كما يقول رئيس نادي الأسير الفلسطيني، قدورة فارس: فإن الاحتلال يستخدم العائلات والأهالي عادة كأسلوب ضغط على أبنائهم، مثل عائلة الأسير عاصم البرغوثي، ويشير إلى أنه "لا يذكر أنه قد أدينت والدة شهيد أو أسير لعدم منعها وقوع عملية".
ويرى فارس أن "اعتقال أم يعتبر تعسفا، وأن فرضية استطاعتها أن تمنع عملية، هي فرضية أن تصبح عميلة للاحتلال، ولذلك يرى أن هذه المحاكمة أحد تعبيرات حالة الانحطاط التي وصلت إليها مؤسسات دولة الاحتلال، وفي مقدمتها المؤسسة القضائية، وهي نفس المؤسسة القضائية التي أسقطت التهم عن اثنين من المستوطنين مارسا القتل بالحرق"، في إشارة إلى مضي محاكم الاحتلال في تبرئة المستوطنين قتلة عائلة دوابشة حرقا واستشهاد ثلاثة منها عام 2015، عقب حرق المستوطنين منزلها في قرية دوما جنوب نابلس شمال الضفة، وتبرئة قتلة الشهيدة عائشة الرابي التي استشهدت نتيجة إلقاء مستوطنين حجرا كبيرا على مركبتها العام الماضي جنوب نابلس.
وحول معطيات الإدانة وفقا لرؤية أم الشهيد أشرف نعالوة سلاحا مع ابنها، قال فارس: "إن هذا مؤشر آخر على أن المحكمة العسكرية الإسرائيلية محكمة لا يعتدّ بها، ولا تحترم القواعد الأساسية للمحاكمة العادلة".
وكان الشهيد أشرف نعالوة نفّذ عملية إطلاق نار نوعية داخل مستوطنة "بركان"، في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2018، قُتل فيها اثنان من المستوطنين وأُصيب آخر، وتمت مطاردته بعدها حتى اغتياله داخل منزل في مخيم "عسكر" للاجئين الفلسطينيين شرق مدينة نابلس، في 13 ديسمبر/كانون الأول الماضي.