قائد الطوفان قائد الطوفان

لازلتُ أرغبُ في البكاءْ ..!

بقلم : آلاء نعيم القطراوي

لازالتُ أرغب في الكتابةِ..

والبكاءْ

صدري تنهدَ في تعبْ

وأنا تعبتُ أفلسفُ الأشياءَ حين أسيرُ

في طرق المدينةْ

في غزة الأشياءَ لا تبدو جميلةْ

قد تغرق الطرقات ليلاً

تكتسي نوراً شحيحاً من قناديلٍ ضئيلةْ

قد لا تنام على فراشٍ دافئٍ

فتجيئك الأحلام غضبى مستقيلةْ

قد لا تموت إذا قُصِفْتَ بغارةٍ

وتعيش تلعن فيكَ ذاكرة عميلةْ

في كل وقت قد تعيد عليكَ مشهد

نازفٍ لفَّ الأصابع في جديلةْ

وتلا تراتيلاً من القرآنِ قبل مضيهِ

أشلاءَ جسمٍ وانكساراتٍ ثقيلةْ

وبقيتَ وحدكَ ناجياً بل راثياً

فالموت مهما غاب لن ينسى قتيله

ويعود يحمل نفس اسمك مرة أخرى

فإذ ما متَّ متْ موتاً جليلا

في غزة الأشياء قد تفنى وقد تمضي

ولا تبدو لناظرها جميلةْ

لكنْ هناك علاقة صيغتْ بحكم ولادتي فيها

صغيراً ثائراً

لا يفهم الأشياءَ حين تقالُ

لكنْ يفهم الأشياءَ حين تكونُ

في كفنٍ وطفلٍ من صباحِ الأمسِ ماتَ ولم يحاور ظلَّ نسمته العليلةْ

 

بقيتْ

ولم يخبر معلمهُ

بأنَّ يراقةً طارت وقد صارت فراشةْ

فظلَّ سؤالهُ أنْ كيف أقدرُ أنْ أطيرَ كما فراشةْ ؟!!

لا شيءَ يبقى دونَ أجوبةٍ

فأسئلة الصغار هنا يفسرها الوطنْ !

وأنا قديماً قد سألتُ أبي

لماذا لا يزيدُ الماء في كوبي قليلاً ؟

قال : الوطنْ

ولما لنا بيت بلا سقف ولا حتى جدار ؟

قال : الوطنْ

ولما عليَّ السيرُ دوماً في طريقٍ شائكٍ وهناك أرصفة ودار ؟

قال : الوطنْ

وشهادةُ الميلادِ واسمي ليس كاسمي في حروفهْ

, ما هذه الأسماء و اللغةُ الغريبةُ في سطورهْ ؟

قال : الوطنْ

أمشي وتنهكني الشوارعْ

لازلت أرغب في الكتابةِ

والبكاءْ

في غزةَ الأشياءَ حبلى بالرواياتِ الفريدة

وبها يصير الحزن أكثرَ من قصيدةْ

قد يعبر الشعراء فيها ساكتينَ بلا كلامْ

فالشعر مكتوبٌ على كلِّ الأزقةِ

و الخيامْ

وإذا تراهُ مسالماً حيناً

فحيناً ًلا ينامْ

وله دواوينٌ كثيرةْ

أخذ الشهيد غلافها

وتوزعت بين الأنامْ

كتب الحكاية كلها

حين استقرت في الغمام

كتبَ الوطنْ

واليوم نكتبُ كل شيءٍ

لا ينام على وطنْ

وكأنّ شاعرنا

تعمد موتنا

إذ قال يوماً قبل أن يذوي بعيداً

تصبحونَ على وطنْ

درويشُ تطعننا كثيراً في الصميمِ ولا تبالي

وكأنَّ ترجمةَ النزيفِ لديكَ أمرٌ صار عادي

عملٌ تمارسهُ كهاويْ

في أيِّ صبحٍ سوف نلقاهُ الوطنْ ..؟

وهل الرصاصةُ قد تفرقُ

بين طفلٍ والكفنْ

هل تفهم الشظياتُ أحلامَ الصغار النائمينْ

حين استفاقوا ميتينْ

ونسوا بأن الوقت ليس بحارس للحلمِ

حين يعدُّ وجبتهُ الأخيرةَ في أنينْ

ويقولُ عذراً إن رحلتْ

كنتم صغاراً جيدينْ

وأنا حزينْ

فستصبحونَ على كفنْ

أنا لست أحمل مدفعاً حتّى أردَّ رصاصهمْ

فلتعذروني

هكذا شاءَ الزمنْ

هذي حوارات الأزقةِ للمخيّمْ

من يسمعُ الأشواقَ تبكي في فناء البيت

ذاكَ إذا تهدمْ  ..!

حتى الركامُ تعاظمتْ أحزانهُ

فترَاهُ يذكرُ ما تقدّمْ

ما بينَ موتٍ وارتقاءٍ

صاغهُ طفلٌ ملثَمْ

للذكرياتُ علامة الحزنِ المسجى

والزجاج إذا تحطمْ

لازلتُ أرغبُ في الكتابةِ ..

والبكاءْ

أمشي ثقيلاً في الصباحِ وفي المساءْ

ليست حكاياتي يدونها الترابُ بل السماءْ

وأنا تعبت من الكلامِ قصائداً مدحاً رثاءْ

الصيف يأتي بارداً والحرُّ يأتي في الشتاءْ

الكل موطنهُ هنا في بيتهِ وأنا بلادي في السماءْ

الأرضُ تنزفُ لاجئينَ بلا دواءٍ أو غطاءْ

وأنا تعبتُ من اللجوءِ إلى دموع الأشقياءْ

في غزة الأشياء تبدو دائماً

بين اشتعالٍ وانطفاءْ

وأنا انتهيتُ من الكتابةِ إنّما

لازلتُ أرغبُ في البكاءْ .. !

البث المباشر