مقال: لماذا يتهرب الإسرائيليون من الخدمة العسكرية؟ 2-2
عدنان أبو عامر
كنا قد تحدثنا في الجزء الأول من هذا التحليل الأسبوع الماضي عن أسباب هذه الظاهرة في المجتمع الإسرائيلي، وتناولنا الإحصائيات والأرقام المتعلقة بالقضية، ويتناول الجزء الثاني منه، المواقف الرسمية والشعبية، إلى جانب الجهود التي تبذلها الدولة العبرية لمكافحة الظاهرة، وتبيان عدم نجاحها في وضع حد لها.
المواقف الرسمية والشعبية
موقف الجيش: حرص على مواجهة ظاهرة رفض الخدمة بشكل فردي، وفي مراحل لاحقة من اتساع نطاقها جرت محاولات لكسر إرادة الرافضين، حيث يتسلمون بعد حبسهم لمدة 28 يوماً، أمر استدعاء لخدمة إضافية، وفي حال رفضهم يمضون فترة حبس أخرى، أما اليوم، فيحرص الجيش على تفادي ذلك، لخشيته من الضجة الإعلامية، وقال رئيس المحكمة العسكرية في يافا، الكولونيل آفي ليفي إن "التهرّب من الخدمة ظاهرة مرضية، وتنتشر كالنار في الهشيم، وتجرّ وراءها سلسلة من الأمراض".
وأشارت المصادر العسكرية إلى "أن السلطات وضعت 600 جندي احتياط في السجون نتيجة تهربهم من الخدمة، وإن السجون المخصصة مليئة بأكثر من ألف جندي ومجندة فروا من الخدمة".
وقال جنرال الاحتياط "غدعون شيفر" قائد قسم القوى البشرية، إنه "إذا لم تسارع الدولة للاعتناء بهذه المشكلة فإنها ستتسع باطراد، وإذا لم نفعل شيئًا، سنصل في الأعوام القريبة المقبلة لوضع لا يؤدي فيه 50% من شبابنا الخدمة العسكرية الإلزامية".
فيما وصف رئيس هيئة الأركان "غابي أشكنازي"، الظاهرة بأنها "تنهش المجتمع والجيش"، معرباً عن أسفه؛ لأن المتهربين "لا يخجلون بقرارهم عدم التجند في الجيش"، وأكد وزير الحرب "إيهود باراك" على ضرورة العودة إلى الأيام التي كان فيها التهرب من الجيش بمثابة "وصمة عار" على جبين المتهربين"!
2- موقف الحكومة والأحزاب: صدرت تصريحات وردّات فعل "طنانة" في إدانتها، والدعوة لوضعها في مقدمة "الأجندة الوطنية"، وانطوت جميعها على "عدم الاستخفاف بالنظر إلى الجيش وعدم الجدية إزاءه، لأنّ هذا سيمّس بمكانته، نحن دولة تواجه العديد من الأخطار الوجودية، ويجب العودة لتنمية مشاعر العزة الوطنية بالخدمة العسكرية".
في حين رأى عضو الكنيست "عامي أيالون"، الرئيس السابق لجهاز الشاباك، أن ظاهرة رفض الخدمة في مجتمع إسرائيلي يزداد تعسكراً تعني أن العلاقة بين المجتمع والجيش في تطور مزدوج، فمن جهة يزداد المجتمع تقبلاً للخيار العسكري، بل الأكثر دموية وتسرعاً في الحسم مع الفلسطينيين، لكن من جهة أخرى ثمة تراجع في مكانة "جيش الدفاع" ومهابته، فلم يعد حلم الشاب الحياتي والمهني أن يصبح ضابطاً!
3- الموقف الشعبي: تصنف حركة رفض الخدمة من الأقلية غير المقبولة وسط الإجماع الإسرائيلي، بل حتى لبعض الأشخاص الذين يقولون إنها فاقت الحدود، وترى ضرورة تكاتف الجهود من مختلف الحركات السياسية والقانونية لوضع حدّ للاحتلال، لكن ليس من خلال الامتناع عن الخدمة.
ومع ذلك، تلقى الرافضون تأييداً كبيراً من الجماهير، ومن بعض أعضاء النخبة في المجتمع، وتلقوا آلاف الخطابات عبر الإنترنت، وبدأت بعض الجمعيات المعارضة للحرب في النشاط والحركة مرةً أخرى، ولوحظ تزايد عدد المنظمات التي تعتبر رفض الخدمة جزءاً أساسياً من برنامجها؛ ومنها "نشطاء الرسالة الثمانية"، وحركة "مظهر جديد"، و"تجمُّع دعم رافضي الضمير"، و"يوجد حدود"، "مجلس السلام والأمن".
جهود مكافحة الظاهرة
بغض النظر عن طبيعة الرؤية لظاهرة رفض الخدمة، كشفت مصادر عسكرية عن خطة شاملة وضعها الجيش لمحاربة هذه "الآفة"، ومما تنص عليه:
1- عدم السماح للمتخلفين عن أداء الخدمة بالحصول على رخصة قيادة، وممارسة مهنة الطب، والعمل في الدوائر الحكومية، والمشاركة في عطاءات حكومية، ويشار إلى أن النيابة العسكرية تتابع الخطة، إلا أن بعض خبرائها رأوا أن احتمالات تحقيق بعض بنودها ضئيلة، كونها تخالف قوانين تكافؤ الفرص.
2- خفض مستوى وشروط التجنيد، وفتح أبواب الجيش أمام فئات بقيت خارج الخدمة، بمن فيهم أصحاب سوابق، صحيح أن الجيش بحاجة لأشخاص طبيعيين، لكن الجندي لا يجب أن يكون شرطياً أو قاضياً.
3- جذب الشبان للالتحاق بالجيش عبر السماح للرياضيين والموسيقيين الواعدين، وحتى عارضات الأزياء، بأداء الخدمة بعيداً عن الجبهة كي يتسنى لهم متابعة مستقبلهم المهني.
4- إعداد برنامج للخدمة المدنية يتيح لمعارضي الحرب، وغير اللائقين بدنياً، واليهود المتشددين والعرب، وجميعهم معفون من التجنيد، أداء الخدمة بطرق أخرى.
5- لعدم وجود آلية في الجيش للتأكد من أسباب التهرب في البيانات المقدمة ومتابعتها، اقترح رئيس اللجنة الوزارية للرقابة، "إيتان كابل" العمل على تشريع القوانين التي اقترحتها وزارة الدفاع لملاحقة من يقدمون ذرائع كاذبة للتهرب من الخدمة قضائياً.
6- قيام وزارة الدفاع بحملات في أوساط المدارس الثانوية لتشجيع الطلاب على الالتحاق بالخدمة.
أخيراً.. فإن تواصل انتشار ظاهرة رفض الخدمة والفرار منها، أياً كانت أسبابها وآثارها، فإنها لاشك تعبر بصورة أو بأخرى عن أزمة بنيوية حاقت بالمجتمع الإسرائيلي، لاسيما وأنه حتى وقت قريب كان خيار عدم الالتحاق بالجيش من المحظورات في دولة "ولدت" في خضم الحرب، وتخوض صراعاً دائماً مع جيرانها العرب، وترى أن الخدمة العسكرية هي جوهر الهوية الوطنية "الإسرائيلية".