رشا فرحات
هذه رواية عن المرأة، عن ظلمها الفاحش، عن مجتمع تدفع هي معظم ضرائبه!
"زهرة الثلج والمروحة السرية" تحكي قصة فتاتين من الصين ما قبل عام 1951، حيث انتهت الممارسة الأكثر ظلما تجاه المرأة وهي عادة ربط القدمين في الصين القديمة، وذلك بعد أن حررت مقاطعة "جيانغيونغ" في "منطقة النوشو"
وعادة ربط القدمين كانت منتشرة بين العائلات المرموقة في تلك المقاطعة أو التي تتطلع لوضع أكثر رقي، و حينما تصل الفتاة إلى عمر ست أو سبع سنوات تبدأ نساء العائلة بربط قدميها، حتى تظل قدمها صغيرة لا تتعدى السبع سنتيمرات طولا وذلك بالبدء بجذب الأصابع حتى أخمص القدم، في طقس مؤلم أشد الألم، حتى أن فتاة من كل عشر فتيات كانت تموت جراء هذه العادة!
ثم تبدأ الأربطة بالتغير يوما بعد يوم وفي كل يوم تضيَّق أكثر من اليوم السابق حتى تلتصق الأصابع بباطن القدم ثم تبدأ النساء " وغالبا الأم" بتكسيرها أصبعا وراء أصبع حتى ترتخي ويسهل التصاقها ثم التقاءها مع الكعب في تلك النقطة!
وتبدأ الفتاة بممارسة حياتها بعد انتهاء الألم الذي ينتج عنه قدمان نموذجيتان حسب العادة الصينية، وستمنع تلقائيا لأنها صاحبة قدمان صغيرتان من ممارسة حياة الخروج أو المشي لمسافات طويلة لبقية حياتها، لأن قدماها لا تقويان على ذلك ولم يكن هذا مهما في مجتمع فرض على المرأة خدمة الرجل صباحا ثم الجلوس والتطريز لبقية يومها!
و حينما تخرج الفتاة من هذه التجربة بأقدام نموذجية ستضمن حصولها على زوج يتناسب مع جمال قدميها!
ولأنها كانت تلقن درسا قاسيا على يد أمها وعائلتها مفاده أنها مخلوق بلا قيمة وقيمتها تكمن في إنجاب أكثر عدد من الأطفال الذكور، لذلك كانت المرأة تفقد كل احترام وقد تبعد عن العائلة أو تلقى للخدمة والتسول إذا توفي زوجها بدون أن يكون لها أولاد ذكور، فإذا أنجبت الذكور ستضمن احترامها وستصبح يوما بعد يوم المرأة الأكثر تحكما بمصير نساء العائلة خاصة إذا أصبحت "السيدة لو" بطلة الرواية.
وقد ظهر الثمن الحقيقي الذي دفعته المرأة جراء طقس ربط القدمين حينما هرب القرويين من بيوتهم آبان ثورة "التايبنغز" وكيف عانت النساء من المشي لمسافات طويلة وقدماها تنزفان، بل لسوء مشيتهن سقطت كثيرات منهن في جرف الوادي أثناء الهرب، ولم يكن هذا يعني كثيرا لرجال القبيلة أو حتى للمرأة ذات نفسها التي صدقت أنها عديمة الفائدة وبأن حياتها بلا قيمة!
وتظهر الرواية علاقة النساء بالرجال المستقلة تماما تقريبا، في يومياتهم وطريقة حياتهم!
فوظيفة المرأة هي تقديم كل الخدمات للرجل من كل نوع، الطعام والشراب والراحة التامة التي وصلت حد الغناء له وهو يتناول طعامه، بالإضافة إلى خدمة والديه حد التضحية بحياتها لأن كل الحيوات في المنزل الصيني أثمن من حياة امرأة جلبت لتنجب الأبناء الذكور فقط لا غير! ثم تلجأ المرأة في معظم يومها إلى الطابق العلوي وتمارس وظيفتها الثانية وهي التطريز وتحضير مهرها وكسوتها إذا كانت فتاة عزباء والذي يجب أن يكفيها حتى موتها لأن زوجها غير مجبر بتوفير كسوة لها.
وفي الطابق العلوي حياة بعيدة عن عالم الرجال، لا يعلمون عنها شيئا، بل من المعيب نقل صورة عن هذا العالم المليء بالفتيات المحظيات والزوجات والتطريز والغناء وتعلم لغة النساء، التي تبقى كلها سرا بينهن ومن المعيب على الرجل أن يتدخل في هذا العالم.
ورغم ذلك كان هناك بعض الاستثناءات التي حصلت عليها زهرة الزنبق بطلة الرواية وابنة المزارع الفقير التي تتمتع بمميزات جميلة وقدمين مربوطتين بشكل متقن جعلها تحصل على زوج أصبح لاحقا "السيد لو" أمير القرية بالكامل، بينما لم تحصل صديقتها زهرة الثلج على ذات الامتيازات رغم ذكاءها وجمالها وجمال قدميها لأنها تنتمي لأسرة مفككه وابنة لأب مدمن للمخدرات.
الرواية فيها تفاصيل أكثر جمالا وخاصة تلك التي تتحدث عن لغة "النو شو" التي تعتبر عنصرا أساسيا في تفاصيل الرواية، وهي لغة تستخدمها النساء ولا يفهمها الرجال ويتبادلن مع صديقاتهن الصور المعبرة عن مشاعرهن عبر المروحة الورقية التي تعد رمزا أخر في التراث الصيني.
تعرفك الرواية أيضا على الثورات التي حدثت في ذلك الوقت، وعلى المناسبات الدينية والوطنية السنوية، حياة دقيقة لأبعد حد، لا تخلو من الفقر والعوز التي يمر بها الفلاح الصيني، وعلى عادات الزواج والموت والطلاق والفقر والوجع والتي تكون المرأة عنصرا مهما من عناصرها.
هذه الرواية مبهرة، وقد ترجمت إلى 35 لغة، لكاتبتها الأمريكية من أصل صيني " ليزا لي" والتي استطاعت أن تكشف لك الكثير عن الصين القديمة وتاريخها وعاداتها، بل ستبهرك تفاصيل العلاقات بين النساء والرجال والصداقات المقدسة في المجتمع الصيني، وخاصة تفاصيل الموت والحياة، وتربية الأبناء، ومشقة المرأة التي تدفعها بأشكالها المتعددة لتكون أما وزوجة ناجحة !
أنصحكم بها