دخلت الوصاية على المدينة المقدسة محط نزاع بين السعودية والأردن، في معركة ظهر على السطح بعض من دلالاتها على صعيد محاولة المملكة امتلاك بعض العقارات لمصلحتها.
تلك الخطوة ترافقت مع خطوات أخرى سعت إليها السعودية عبر الدعوة لوفد مقدسي لزيارتها، بغية مبايعتها على المدينة؛ تلك المحاولة التي باءت بالفشل أيضا عندما علمت المملكة الأردنية بذلك.
وبحسب المصادر الخاصة بـ"الرسالة نت"، فإن الوفد اضطر للإفصاح عن حقيقة الموقف، واتجه في اليوم الثاني للقاء الملك الأردني ومبايعته على المدينة.
وتعود الأصول التاريخية لسيادة الأردن على المقدسات في القدس لعام 1924، عندما بويع الشريف حسين، مطلق الثورة العربية الكبرى وصياً على القدس، مروراً بسيادة الأردن على القدس الشرقية عام 1948 و1967.. وحتى بعد فك الارتباط بين الضفتين عام 1988، فإن الأردن لم يتخل عن السيادة على المقدسات.
ومع الحديث عن صفقة القرن، تعاظمت المخاوف حول الوصاية وإمكانية نقلها لأطراف عربية أخرى متهمة بالتورط بالصفقة، مقارنة بمواقف الأردن التي تعلن عبر تصريحات مسؤوليها رفضها لها.
خلق واقع جديد
شخصيات مقدسية أشارت في حديثها لـ"الرسالة" عن مؤشرات خطيرة تستهدف تغيير الواقع السياسي والزماني والمكاني في المدينة لمصلحة الاحتلال.
مدير أكاديمية الأقصى ناجح بكيرات قال، إنّ "هناك مؤشرات خطيرة لتغيير الواقع والاحتلال يستعين بالإدارة الأمريكية لتغيير هذا الواقع ومنها ورشة البحرين، ومطالبات أعضاء كنيست بطلب إلغاء الوصاية من الأردن.
وأضاف بكيرات في تصريح خاص بـ"الرسالة"، أنّ " شخصيات في السعودية تسعى لتغيير كثير من الثوابت لمصلحة الاحتلال".
ورأى أن محاولة سحب الوصاية تأتي في سياق الوصول إلى خلق واقع جديد يستهدف أضعاف الدور الفلسطيني والأردني، بدعم وتأييد من الأمريكيين.
وأشار إلى أنّ الاتفاقات "أعطت مساحة كبيرة للحفاظ على دور الأوقاف، غير أن الاحتلال بدأ يتنصل منها".
ونبه إلى أن محاولة نزع الوصاية، "ستوجد فراغًا قانونيًا وتاريخيًا وسياسيًا، من شأنه أنّ يمهد لتسليم القدس والمسجد الأقصى للاحتلال الإسرائيلي".
ولفت بكيرات إلى أن (إسرائيل) في حال نقل الوصاية للسعودية ستستغل عدم وجود أي اتفاقيات دولية توصي بذلك وستنقل الوصاية لها حتى تصل لمرحلة إدارة الأقصى.
الأردن قد تتنازل
من جهته، قال المحلل السياسي تيسير محيسن: "السياسة العامة التي تتبعها الإدارة الأمريكية اليوم هدفها إيجاد شكل جديد مغاير لما هو عليه الواقع ومتوافق مع ما أحدثته (إسرائيل) في القدس".
وأضاف محيسن في تصريح خاص بـ"الرسالة": "هناك منافسة قائمة على الوصاية على المقدسات الإسلامية في القدس، وفي المقابل السعودية تتصدر أنها زعيمة العالم الإسلامي، لذلك تسعى للسطو والتحكم على كل الأماكن المقدسة ومن ضمنها القدس".
وتابع: التطبيق العملي لتقدم السعودية بالوصاية على القدس ستكون صعوبات وعراقيل أساسها الحكم الجغرافي.
وحول الموقف الأردني تجاه ذلك لفت محيسن إلى أنه منذ الإعلان عن ورشة البحرين بداية الموقف الأردني رفض المشاركة، ثم صرح الملك بالمشاركة وعكس الموقف الأول، وبلور عملية المشاركة من أجل التعرف والاستطلاع.
وذكر أن الأردن إذا قٌدم لها أثمان لتعزز من واقعها الاقتصادي وتخرج من أزماتها المتفاقمة يمكن أن تضحي بالمبادئ والامتيازات السياسية، وهذا يحتاج توافقا مع الفلسطينيين.
وأكد أن هناك استسلاما كاملا من المملكة السعودية أمام أمريكا وستكون أمريكا أمام استبدال جذري أمام المعيقات بسحب الوصاية.
وترتكز الوصاية الهاشمية على جوانب دينية وقانونية، كما يقول مدير شؤون الأقصى في وزارة الأوقاف الأردنية، عبد الله العبادي، مبينا أن "الوصاية الهاشمية مثبتة من ناحية دينية وعقائدية وسياسية؛ فالملك هاشمي من حفدة الرسول عليه السلام، والمسجد الأقصى والمسجد الحرام مربوطان معا عقائديا في القرآن الكريم".
أما سياسياً، فيقول: "القدس والضفة الغربية كانتا تابعتين للمملكة الأردنية الهاشمية في عام 1967، ثم جاء قرار فك الارتباط القانوني والإداري، لكن بقيت القدس والمقدسات تابعة قانونيا للمملكة، ومنصوص على ذلك في المادة التاسعة من اتفاقية السلام، ولولا ذلك لأصبح هناك فراغ كبير، وسيطر الاحتلال على كل المقدسات، وغيرت الوضع القائم، خلافا للقانون الدولي".
وحول محاولة بعض الدول فرض وصايتها على المقدسات، دعا العبادي الدول العربية والإسلامية لدعم الوصاية الهاشمية في المحافظة على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس.