في وقت تتحكم (إسرائيل) بكل مفاصل الاقتصاد في الأراضي الفلسطينية وتسيطر على المعابر والمنافذ والاستثمار، وحتى أموال الضرائب الخاصة بالفلسطينيين والتي تمارس القرصنة عليها عبر اقتطاع الأموال منها تارة وحجزها ومنع تحويلها للسلطة تارة أخرى، أعلن وزير الاقتصاد في رام الله خالد العسيلي، عن انطلاق الخطوات العملية للانفكاك الاقتصادي عن الاحتلال الإسرائيلي.
وقال العسيلي في تصريحات صحفية إن الحكومة بدأت بوقف التحويلات الطبية للمشافي الإسرائيلية والتوجه إلى الأردن ومصر وإطلاق حوار مع المشافي التركية بهذا المجال.
وأشار العسيلي إلى التوجه للطاقة البديلة للاستغناء تدريجيًا عن الكهرباء الإسرائيلية، مؤكدًا أنه جرى الاتفاق مع البنك الدولي لاستغلال أكبر قدر من الأرضي لإنتاج الطاقة الشمسية.
حديث العسيلي يأتي امتدادا لحديث وزيرة الاقتصاد التي سبقته في حكومة رامي الحمد الله، عبير عودة عندما قالت "بدأنا منذ فترة طويلة بخطوات عملية على الأرض للوصول إلى الانفكاك الاقتصادي وهذا ما ظهر في الإحصائيات الأخيرة".
وفسرت عودة الانفكاك حينها عبر نسبة مساهمة ما يتم استيراده من (إسرائيل) بأنها تتناقص بشكل حاد، حيث انخفضت من 71% خلال عام 2012 إلى 54% في العام 2017، وهذا ناتج عن استراتيجيات اقتصادية، إضافة إلى فتح أسواق خارجية جديدة حتى يتم استبدال المنتج الإسرائيلي بوطني فلسطيني مع استيراد بعض المنتجات الأخرى من الدول الإقليمية.
ورغم حديث وزراء السلطة عن الانفكاك الاقتصادي الا أن لقاءاتهم الدورية لا زالت تعقد مع نظرائهم الإسرائيليين لتعزيز سبل التعاون بين الجانبين، ما يجعل حديث الانفكاك للاستهلاك الإعلامي فقط.
ويأتي حديث السلطة في الوقت الذي يطالب الجميع السلطة بالانفكاك عن الاقتصاد الإسرائيلي الذي لا يبدأ إلا بوقف العمل ببروتوكول باريس الاقتصادي الذي كبل الفلسطينيين اقتصاديا ومالياً وجعلهم رهينة بيد الاقتصاد الإسرائيلي.
وفي ورقة أعدها معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس) بعنوان "الانفكاك الاقتصادي عن (إسرائيل): التحديات ومتطلبات النجاح" أكدت ان "الانفكاك لا يعني فقط إلغاء بروتوكول باريس، وإنما بناء مقومات الاقتصاد الفلسطيني وهناك الكثير مما يمكن عمله لتقويتنا على المستوى الداخلي أولا".
وأضافت الورقة أن الاحتلال عمل على تسهيل عبور السلع الإسرائيلية إلى الضفة الغربية وقطاع غزة، وإنهاء الروابط التجارية مع المحيط العربي، وإصدار العديد من الأوامر العسكرية التي تحد من تطور القطاع الصناعي الفلسطيني، ومنع إنشاء نظام مصرفي فلسطيني.
وبين أن هذه الإجراءات قد أدت إلى خلق تشوهات عميقة في الاقتصاد الفلسطيني وجعلته تابعا من ناحية التشغيل، والاعتماد على التحويلات المالية في تحفيز الاقتصاد، وانخفاض إنتاجية القطاع الصناعي وارتباط نشاطه بالصناعات التقليدية واعتمادها على الطلب من السوق الإسرائيلي.
واعتبرت الورقة ان اتفاقية باريس أبقت على التبعية للاقتصاد الإسرائيلي من خلال الغلاف الجمركي وحولته من أمر واقع بقوة الاحتلال الى اتفاقية تعاقدية تتعلق بجوانب السياسات الضريبية، والتحكم بالمعابر، والتأثر بالسياسات النقدية الإسرائيلية، وتخويل سلطات الاحتلال جمع الإيرادات الضريبية وتسليمها للسلطة الفلسطينية.
من جهته، قال المحلل الاقتصادي د. نصر عبد الكريم إننا "غير مهيئين حاليا للانفكاك الاقتصادي بسبب سياسات الأمر الواقع الإسرائيلية على الأرض والتداخل السكاني وإقامة المستوطنات وعدم سيطرتنا على الحدود والأرض".
وأضاف في تصريحات صحفية أن "الحديث من المفترض أن يكون حول تخفيف التبعية للاقتصاد الإسرائيلي"، مردفا: يمكن الحديث عن انفكاك جزئي من خلال بعض السياسات التي من المفترض على الحكومة أن تمارسها، لكن الانفكاك التام لن يتحقق إلا بالسيادة الكاملة السياسية والاقتصادية.
وشدد أنه لوقف الهيمنة الإسرائيلية يجب تقوية القاعدة الإنتاجية للاقتصاد وهذا يتطلب إعادة الاعتبار لقطاعي الزراعة والصناعة وسياسات ضريبية داعمة، إضافة لتنمية ثقافة المقاطعة للمنتجات الإسرائيلية.
واللافت أن السلطة التي تتحدث عن الانفكاك الاقتصادي تمارس الخداع بحق الشعب الفلسطيني فهي تعقد لقاءات دورية بين وزارتي الاقتصاد الفلسطينية والإسرائيلية وتوقع اتفاقيات وعزز التعاون مع الاحتلال على أكثر من صعيد خاصة الأمن والاقتصاد ما يجعل فرص الانفكاك صعبة للغاية.
كما أنها ترفض حتى الأن تعديل أو إلغاء بروتوكول باريس الاقتصادي الذي يكبل الاقتصاد الفلسطيني بكل القيود الإسرائيلية وتجعله رهينة للاحتلال.
والاهم أن طبيعة العلاقات التي تجمع رجال المال والأعمال والسياسة بالجانب الإسرائيلي باتت عميقة جداً نتيجة المصالح المتبادلة ما يمنع فعلياً من فرص الانفكاك.