لقد كان كابوسا لم يكن يخطر ببال أهالي وادي الحمص، لكنه الاحتلال الذي يظل كابوسا يهددنا أينما ذهبنا، ويدعي شرعيته وينفي شرعيتنا عَلى أرض هي بالأصل ليست لأحد إلا لنا.
وادي الحمص، ألم جديد، تهجير قسري آخر، طرد من حق آخر، ليست آخر البيوت ولا أول المنافي، ولن تكون، وتلك هي معاناة أهالي القدس على وجه التحديد، فمنذ عام 67 وهي تعاني من التهجير والاستيطان البطيء، الذي ينسل في عروقها ويسرق ما يسرق كالأفعى بينما يدعي العالم أنه لا يرى.
ولكن هذه المرة كانت السرقة مسعورة ووقحة، فقد هدمت جرافات الاحتلال بكل وقاحة 100 منشأة سكنية، ما يعادل 16 عمارة في وادي الحمص، شقاء العمر الذي استوفى كل تراخيص بنائه وسكناه، لأنه يقع في منطقة السلطة الفلسطينية ولأنه وحسب اتفاقية أوسلو يجب أن يحترم ولكن هذا لم يحدث، لأن ذلك المحتل يثبت للمرة الألف أنه لا يحترم أي قوانين أو اتفاقيات.
شقاء العمر
"استيقظنا على كارثة ومجزرة بهدم بيوتنا، والجنود الذين قدموا لتنفيذ قرار الهدم هم جنود حرب كانوا أكثر من 5 آلاف جندي، ومعهم معدات كبيرة وضخمة". هذا ما قاله المقدسي إسماعيل عبيدية.
عبيدية أضاف بأنفاس متقطعة: إنه شقى العمر، مجزرة حقيقية بحق أهالي وادي الحمص، معدات كبيرة لأول مرة أراها شاركت في الهدم، ومنزلي هدم من ضمن البيوت أمام عيني، أرى كل حجارته تسقط واحدة تلو الأخرى، بجرافات لا أستطيع أن أحصي عددها، بينما تناثر سكان الشقق يتفرجون من بعيد على عمرهم وأموالهم تضيع، كل منا بنى بيته من شقاء وتعب وقد ضاع في لمح البصر.
ويؤكد عبيدية أن هدم الشقق كان كله في ذات الوقت، دفعة واحدة بعدد من الجرافات المهولة، بعد أن رفض الاحتلال التماسا للمواطنين رغم أن المنطقة خاضعة لمسؤولية السلطة الفلسطينية.
ويبدو أن العالم لم يستطع إلا أن يتفرج على ما حدث، فرغم اتصال المحامين بالمواطنين والوعود التي قدمت إلا أن كل شيء قد هدم مع جرافات الاحتلال وسكان صور باهر متضامنون مع السكان المصدومين من هول المنظر.
منطقة"أ"
وقال المواطن المقدسي غالب أبو هدوان وهو يغالب دموعه: أنتم تستمعون الآن لجرافات الاحتلال وهي تهدم شقاء عمري، لكني لن أخرج من هنا، ولن أغادر أرضي، سوف أنصب خيمة وأسكن فيها بقية عمري.
ويصف أبو هدوان أصوات الجرافات التي هدمت بيت العمر موجها رسالة للناس قائلا: كل شعبنا يواجه الأزمة ذاتها وإسرائيل لا تريد لأهل القدس أن يعيشوا، ولكننا لن نغادر أرضنا، لافتا إلى أن شقته تقع ضمن بناية سكنية وقد اشتراها في 2015 بمساحة 420 مترا "لأسكن مع ابني بعد تزويجه وقد حصلت على رخصة البيت من الحكم المحلي في بيت لحم، وهي منطقة"أ" وتخضع لسيطرة السلطة، لذلك لم نتوقع أن يأتي الاحتلال لهدمها".
ويضيف: أتت الجرافات منذ الساعة الثالثة فجرا واقتحمت بيوتنا وطردتنا ولكني رفضت الابتعاد، فهجم عليّ الجنود بشكل همجي وطردوني خارج بيتي، وألقوا ببقية أثاث المنزل خارجا، مضيفا: كنت أريد أن أرى شقاء العمر أمام عيني وأثاث بيتي ملقى بجانبي على الرصيف، وقد هدم الاحتلال أمام عيني 16 بيتا بـ 16 آلية، وحراسة أكثر من ألف جندي إسرائيلي وهناك عمارات كاملة فجرت بالديناميت، جميعها لسكان مقدسيين يبكون الآن شقاء عمرهم.
ويرفض سكان بيت الحمص أي بديل عن بيوتهم، ولم يتلقوا أي عرض من أي جهة مختصة، وهم يلجؤون للمرة الثانية ويتذوقون طعم اللجوء الذي جربه أجدادهم عام 67.
وأضاف أبو هدوان: أحذر كل العرب "جاييكم الدور يا عرب" لا تقعوا في فخ التطبيع، إسرائيل لا تفهم معنى السلام والتطبيع.
وقد هدمت قوات الاحتلال الاثنين الماضي عددا من المباني في وادي الحمص شرق صور باهر بعد أن رفضت التماس المحكمة العليا رغم أن معظم المباني التي هدمت والمهدّدة بالهدم قد أقيمت في مناطق "أ" وفق تراخيص بناء أصدرتها السّلطة الفلسطينيّة التي تملك صلاحيّات التخطيط في هذه المناطق دون الاحتلال.
وقد بقي وادي الحمص خارج حدود البلدة القديمة للقدس، وهي الحدود التي وضعها الاحتلال عام 1967 في خطوة أحاديّة الجانب - طمعًا في ضمّ أكبر مساحة ممكنة من أراضي الضفة الغربيّة إلى حدوده وبأقلّ عدد ممكن من الفلسطينيّين، ويرى الاحتلال في هذا الحي احتياطيا لتطوير منطقة صور باهر في المستقبل ويسكن هناك اليوم حوالي 6 آلاف شخص هم ثلث سكان منطقة صور باهر.