في الغرفة رقم (3) من الطابق الثالث لمستشفى "شهداء الأقصى" وسط قطاع غزة، يرقد المواطن "رمضان صافي" 50 عاماً على سرير المرض. كان لتوّه خارجاً من غرفة العمليات، فقد أجرى عملية جراحية لجبر كسر في عظام ساقه، امتدت لأربع ساعات.
تجلس زوجته، وتكنّى بـ "أمّ أسامة" إلى جواره على كرسي حديدي، متشحة بالأسود، ويلتف حول السرير عدد من أقاربه، بدوا جميعاً مكتوفي الأيدي، يبحثون عن إجابات لأسئلة مفتوحة.
كنّا ننتظر أن تفرغ الزوجة من مقابلة مع باحثة ميدانية تتبع لمؤسسة حقوقية وصلت قبلنا؛ لتوثيق حادثة المداهمة لمنزل صافي من أفراد في مركز شرطة "أبو عربان" بمخيم النصيرات وسط قطاع غزة، انتهت بسقوط المواطن من الطابق الرابع!
في السابعة من صباح يوم الأربعاء الموافق 19 يونيو/حزيران 2019، طرق باب منزل صافي أفراد من الشرطة، من دون إشعار أو بلاغ استدعاء مسبق؛ لاعتقاله على ذمّة مالية، برواية زوجته لمعدّ التحقيق.
اشتد الطرق على الباب حين تأخّر الردّ من الداخل، بقوة اضطرت الزوجة إلى فتح الباب مسرعة، وتكمل: "عندما فتحت لهم الباب تحدّثوا معي بصوت مرتفع فيه أسلوب تهديد بأننا تأخرنا بفتح الباب (...) طلبوا تفتيش الشقة، كان زوجي حينها يمرّ بحالة نفسية، وفي الأثناء حضر شقيقه من شقته الملاصقة لنا، وأبلغهم بحالته وأنه مضغوط بسبب قطع راتبه، وسيحضر للشرطة بعد نصف ساعة".
تضيف: "ضابط الدورية رفض ذلك، وأصرّ على تفتيش الشقة، ما جعل زوجي يفكّر بدون وعي بالهرب عبر البلكونة إلى شقّة أخيه الملتصقة بشقتنا"، وعندها وقع المكروه!
رمضان موظف حكومي قطع راتبه منذ 6 أشهر، وهو أسير سابق في انتفاضة عام 1998. يعاني من إصابة سابقة في يده اليمني؛ سببت له عجزاً بنسبة 70 في المائة، أي لا يستطيع استعمالها، لكنه رغم ذلك حاول الوثوق بها عند هروبه إلى شقّة أخيه؛ لكنّها خانته!
سقط رمضان من الطابق الرابع وارتطم بالأرض مباشرة، دون حراك. ومن هناك، انتهى في الغرفة رقم (3) بمستشفى شهداء الأقصى، التي اكتظت بعائلته وأصحاب الفضول ممن يودون معرفة القصة التي انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
روت الزوجة التفاصيل على عجلة، كان مؤكداً أنها لا تملّ من تكرارها؛ هكذا يفعل من يملؤهم الغضب. بسبب أن زوجها يرقد في المستشفى بكسور عميقة بسبب 200 شيكل، هي قيمة الذمّة المالية التي استحقّت المداهمة!
تتهم زوجته الشرطة بأنها كانت سبباً فيما جرى لزوجتها، رفعت شكوى ضد الضابط (ن. ب) وتنتظر الرد.
تعتبر هذه الشكوى الواحدة بعد 70 شكوى وردت إلى الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان (ديوان المظالم) في النصف الأوّل من العام الحالي 2019، ضد جهاز الشرطة في قطاع غزة!
هذا الأمر، ومعطيات أخرى، استدعت البحث في مدى سلامة إجراءات التوقيف لدى شرطة غزة، والتحقق من أن المواطن صافي ليس الضحية الوحيدة!
** أفلت من عقاله
قريب الساعة السادسة صباحاً، استيقظ "أبو نائل" على صوت أقدام ثقيلة تصعد درج منزله متّجهة إلى الطابق الثالث في بيت العائلة، حيث يعيش ابنه نائل وزوجته وطفلتيه.
تفاجأ أبو نائل بثلاثة من رجال الشرطة يرتدون الزيّ الأزق المرقّط، يطرقون باب شقة ابنه، ثمّ دار الحوار التالي:
أبو نائل: عفواً كيف صعدتم إلى هنا؟
ضابط التنفيذ: صباح الخير، طرقنا باب المنزل بالأسفل ولم يردّ علينا أحد، فاضطررنا للصعود، نريد ابنك نائل.
أبو نائل: ما التهمة؟
ضابط التنفيذ: ذمّة مالية
أبو نائل: أين أمر التوقيف لو سمحت؟
ضابط التنفيذ: تراه في المركز.
أبو نائل: إذن مذكرة التفتيش، بما أنكم في الطابق الثالث لمنزلي دون إذن.
ضابط التنفيذ: سنريك كل شيء في المركز.
أبو نائل: إذن تفضلوا بالخروج.
قطع الحوار قيام نائل بفتح باب شقته، ينظر لأربعتهم بعينين كانت إحداهما نصف مغلقة، فقد استيقظ للتو، ثم خرجوا به، وأبو نائل من خلفهم يصرخ: "هذه ليست معاملة، هذا اسمه اقتحام".
كانت هذه شكوى ثانية استمعنا لها لما يصفها أبو نائل بأنها مخالفة لإجراءات التوقيف يرتكبها جهاز الشرطة بغزة.
تأسس الجهاز بموجب اتفاقية القاهرة في العام 1994، المكملة لاتفاقية أوسلو، كهيئة نظامية شكلت بمرسوم رئاسي، تتولى مهام الحفاظ على الأمن والنظام العام "في حدود القانون".
لا يمتلك أبو نائل الثقافة القانونية التي جعلته يحكم بأن تصرف الشرطة يعدّ مخالفة، لكنه يعتقد أن هناك قانوناً لابد أن يحكم سلوك الشرطة، ولا يبدو "كمن أفلت من عقاله"، على حدّ وصفه.
يُعتبر قانون الإجراءات الجزائية رقم 3 لعام 2001، أحد القوانين السارية الذي أعطى الشرطة الصلاحية الإدارية والقضائية، والأكثر استعمالاً.
صدر القانون في مدينة غزة بتاريخ 12 مايو/أيار 2001، ويحمل توقيع رئيس السلطة الفلسطينية الراحل ياسر عرفات، ويتضمن (486) مادة.
للتهمة نفسها، بدا المواطن "رامز عبد الكريم" أكثر ضجراً حين تفاجأ بضابط التنفيذ يطرق باب منزله الساعة 5 فجراً، يريد شقيقه محمود، ليبادره بالسؤال: "في هذا الوقت؟".
"نعم، وعلى وجه السرعة، أو سنضطر للتفتيش"، ردّ الضابط!
يروى "رامز" لمعدّ التحقيق أنه اضطر لمرافقة شقيقه في مركبة الشرطة، وأنه لم يعد يهتم لأمر التوقيف بقدر ما امتلأ رغبة جامحة لمعرفة سرّ التوقيف في هذا الوقت.
يضيف: "لم أصدق حينها أن الأمر متعلق بذمة مالية، شعرت أنها عملية إلقاء قبض على مجرم".
في كلتا الشكايتين، يتحقق التعارض بين سلوك الشرطة وما نصّت عليه المادتين (39) و(41) من قانون الإجراءات الجزائية اللتان تنصان على أن "دخول المنازل وتفتيشها عمل من أعمال التحقيق لا يتم إلا بمذكرة من قبل النيابة العامة أو في حضورها"، وأن "تفتيش المنازل يجب أن يكون نهارا ولا يجوز دخولها ليلا".
يوثق التقرير السنوي الرابع والعشرون للهيئة المستقلة لحقوق الإنسان حول "وضع حقوق الإنسان في فلسطين"، أن الهيئة تلقت 531 شكوى ضد جهاز الشرطة في قطاع غزة في العام 2018.
تأسست الهيئة بموجب مرسوم رئاسي صدر في 30 أيلول/سبتمبر 1993؛ لدعم حقوق المواطنين الفلسطينيين، وتقدّم تقاريرها إلى رئيس السلطة والمجلس التشريعي الفلسطيني.
الهيئة المستقلة: يمكن أن تكون هناك انتهاكات أكثر من ذلك
تركزت غالبية الشكاوى الواردة حول ادعاءات بالتعذيب وسوء المعاملة أثناء التحقيق، وتحديداً تجاه المباحث العامة ومكافحة المخدرات، وأيضاً حول الإجراءات القانونية وبخاصة الاحتجاز التعسفي والاعتقال دون إبراز مذكّرة قانونية وفقاً لأحكام القانون.
وتوثق الهيئة أنها تلقت شكاوى حول تحسين ظروف الاحتجاز، وبخاصة ظروف التهوية والعناية الطبية داخل مراكز التوقيف، والاكتظاظ.
يعمل في قطاع غزة 19 مركز شرطة منتشرة على المحافظات الخمسة للقطاع، ويخدم فيها نحو 7 آلاف شرطي.
يتبع جهاز الشرطة لوزارة الداخلية، ويباشر اختصاصه بقيادة مدير عام الشرطة، تحت إشراف وزارة الداخلية.
** عامل الوقت والنفوذ!
يشير بكر التركماني، منسق التحقيقات والشكاوى في الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، إلى أن الهيئة تلقت العام الماضي 2018، 531 شكوى من المواطنين بالمجمل ضد جهاز الشرطة في قطاع غزة، منها 325 شكوى ادعاء بالتعرّض للاحتجاز التعسفي.
وقال التركماني لـ "معد التحقيق": "بصراحة، هناك بعض الممارسات هي بحدّ ذاتها نموذج، كأن يتم احتجاز مواطن دون إيضاح أسباب الاحتجاز، في الوقت الذي ينص فيه قانون الإجراءات الجزائية على أن احتجاز أي شخص يفرض توضيح أسباب توقيفه، وليس أن تحضر لدينا فوراً".
في تفسيره لعدد الشكاوى الواردة لهم ضد الشرطة خلال 2018، يعلّق التركماني بالقول: "هذا العدد يتصل الثقافة المرتبطة بجرأة الناس في الحضور لتقديم شكوى"، مستدركاً: "يمكن أن تكون هناك انتهاكات أكثر من ذلك، لكن هؤلاء هم الذين قدّموا شكوى بالخصوص".
يأتي الرد من الشرطة على شكاوى الهيئة على شاكلتين، إما اتخاذ إجراءات قانونية لكن دون الإفصاح عنها، أو الردّ بأنه تمّ "حفظ الشكوى لعدم صحة ما ورد فيها"، وفق منسق التحقيقات والشكاوى في الهيئة المستقلة.
يشير التركماني إلى أن الهيئة تلقت في النصف الأوّل من العام 2019 الحالي 70 شكوى ضد شرطة غزة.
هاتف معدّ التحقيق أكثر من محامي للتعليق على الأمر أو تقديم إفادات تضمّنتها قضايا ترافعوا فيها، إلا أن جميعهم رفضوا.
أحدهم قدّم تبريراً لرفضه: "الناس، أصحاب القضية أو الضرر ينظرون إلى أنفسهم على أنهم لا يملكون المقدرة على مساءلة جهاز أمني، والأهم أن مصالحنا تقتضي تفضيل الصمت، أو على الأقل هذا موقفي"!
لكن رفيق أبو هاني، رئيس مركز إنصاف للتحكيم والاستشارات القانونية، كان أكثر جرأة بقوله: "نعم، وصلتنا مخالفات لدى الشرطة".
يوجد مقر مركز إنصاف في مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة، الذي يقطنه أكثر من 100 ألف لاجئ فلسطيني. والمركز مرخّص من وزارة العدل الفلسطينية، ويعمل فيه قائمة محكّمين في مجال التحكيم وفضّ النزاعات بالطرق البديلة (التحكيم، والوساطة، والتوفيق).
يعتبر أبو هاني أن مخالفات الشرطة فيما يتصل بإجراءات التوقيف هي "تجاوزات فردية وليس نظامية أو منهجية، وتحدث تحت ضغط الوقت أحياناً، وعامل النفوذ أيضاً"!
يؤكد: "هناك بعض الناس لديها نفوذ وعلاقات معينة، سواء فصائلية أو حكومية".
وشرح أبو هاني في حديث مع "معد التحقيق" بعض تجاوزات الشرطة، "مثل مداهمات المنازل"، وقال: "ربما تكون المداهمات في الليل أو على صلاة الفجر، وربما تكون المداهمة غير قانونية وعلى غير وجه حقّ، هذه بعض القضايا التي نراها أحياناً".
وأكمل: "يضاف إلى ذلك التفتيش من غير مذكرة من النيابة العامة، فالشرطة تحت عامل الضغط والوقت والنفوذ، قد تقتحم منزلا أو سيارة أو شخص وتقوم بتفتيشه في غير حالات التلبس وغير الحالات المعروفة في قانون الإجراءات الجزائية".
ويضيف: "من التجاوزات، تمديد مدة التوقيف، فمعروف أن مدة التوقيف هي 24 ساعة، وأحيانا تتجاوز هذه المدة، وأحياناً يتم الاحتيال على هذه المدة، بأن يقوم ضابط الشرطة بالإفراج عنه ثم إعادة اعتقاله على باب المركز.. بعض هذه الحالات حدثت".
هنا، يلفت منسق التحقيقات والشكاوى في الهيئة المستقلة، التركماني، إلى أن هناك مدة قانونية مرتبطة بالنظام العام، فخلال 24 ساعة يجب عرض الموقوف على النيابة العامة التي صلاحيتها توقيفه 48 ساعة أخرى، وبعد ذلك يجب أن يتم عرضه على القضاء مباشرة، "وأي مخالفة أو تجاوز لهذه الإجراءات يعني أن إجراءات التحقيق ستصبح بعد ذلك باطلة".
مدير مركز تحكيم: بعض الناس لديها نفوذ وعلاقات معينة، سواء فصائلية أو حكومية
وقد سجّلت الهيئة ملاحظة تفيد بزيادة عدد الردود الواردة من الشرطة إليها هذا العام تحديداً، غالبيتها "تميز بإنكار الادعاءات بصورة مطلقة لدرجة النمطية"، وفق ما ورد في التقرير.
لكن الهيئة تشير إلى أن هناك ضعفاً في الردود الكتابية بشكل عام، وأن جهاز الشرطة يفضّل الرد شفوياً.
وتقتضي الأهمية الإشارة إلى أن الهيئة تلقت 367 شكوى ضد جهاز الشرطة في الضفة الغربية المحتلة في العام 2018.
بينما سجّل العام الماضي 2017 تلقّي الهيئة 604 شكاوى ضد الشرطة في قطاع غزة، مقابل 535 ضد نظيره في الضفة.
على صعيد "النظارات" التابعة للشرطة في غزة، يوثق تقرير الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، أنها انتقدت تعامل الشرطة مع عدد من النظارات على أنها أماكن احتجاز دائم، دون اتخاذ المقتضى القانوني، وكذلك عدم اتخاذ الإجراءات العملية فيما يتعلق بمكان الاحتجاز ذاته.
وتذكر الهيئة أن العام 2008 انقضى دون أي تعديل يذكر. علماً أن نظارات الشرطة هي مخصصة بالأساس للتوقيف لمدة لا تتجاوز 24 ساعة، وليس كأماكن احتجاز دائم.
واستمع معدّ التحقيق لحالات تروى أنها أوقفت في بعض النظارات لمدة تجاوزت المنصوص عليها قانوناً، وهي 24 ساعة.
كما وثّق تقرير الهيئة حالات تمّ فيها استخدام النظارات لاحتجاز الأطفال، وهو ما اعتبرته الهيئة مخالفة قانونية باعتبار أن احتجاز هذه الفئة لابد أن يكون من خلال وزارة الشؤون الاجتماعية.
اعرف حقوقك
في الجانب الغربي من مدينة عرفات للشرطة، تنقلك درجات قليلة للصعود إلى مكتب مفتش عام الشرطة. تستقبلك لافتة على شكل هرم وضعت خلف ظهر شرطي الاستقبال، عنوانها: "اعرف حقوقك"، وفي القمّة منها: "من حقك أن تعرف فوراً سبب القبض عليك وبأي تهمة".
في أثناء الانتظار للقاء مفتّش عام الشرطة، دار حديث بيننا مع شرطي الاستقبال الذي انتابه فضول لـ "وجود الصحافة هنا"، كما قال. في خضم حديثنا سألناه: كيف يجري التعامل مع الشرطي الذي يدخل البيوت بدون مذكرة تفتيش؟، كان ردّه مثيراً.
أجاب: "إذا جئت لي، فأنا أعتبر أن الزيّ الذي يرتديه الشرطي هو بحدّ ذاته مذكرة تفتيش"!
لم يُتح لنا سماع تفسير من الشرطي حين أُذن لنا بالمرور إلى مكتب "ديوان المظالم وحقوق الإنسان" في مكتب مفتش عام الشرطة، فقط تبادلنا نظرات الاستغراب، والشرطي يبتسم.
استقبلنا العقيد رائد العامودي، مدير دائرة "ديوان المظالم وحقوق الإنسان"، في مكتبه المطلّ على الجانب الشرقي لمدينة عرفات للشرطة، كان وقت الظهيرة.
أول شيء وقع عليه نظرنا في مكتب العامودي، تقرير الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان لعام 2018 على مكتبه الشخصي، بادره معدّ التحقيق بالسؤال عنه، فأجاب: "نحن نهتم بتعزيز التواصل مع مؤسسات المجتمع المدني، وردّ المظالم لكل من يتعرّض للظلم، سواء مدني أو عسكري".
نائب مفتش عام الشرطة: نسبة الشكاوى الصحيحة لا تتجاوز 10%
يعتبر "ديوان المظالم وحقوق الإنسان" دائرة جديدة في مكتب مفتش عام الشرطة، حيث أنشأت قبل ثماني شهور، أي في عام 2018.
طلبنا تفسيراً لعدد الشكاوى الواردة ضد الشرطة في العام 2018 والنصف الأوّل من العام الحالي 2019، بما مجموعة 601 شكوى في عام ونصف!
يقول العامودي إن ما ورد لهم في عام 2019 هو 30 شكوى ضد مخالفات لأفراد الشرطة. علماً أن الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان سجلت لديها 70 شكوى في الفترة نفسها!
ويشير العامودي إلى أنه تبيّن سلامة إجراءات الشرطة في 28 شكوى، بمعنى سقوط الادعاءات، فيما جرى معاقبة حالتين من أفراد الشرطة.
وواصل حديثه: "جُلّ الشكاوى التي وصلتنا هي مخالفات فردية يقوم بها أحد أفراد الشرطة"، مضيفاً: "أكيد، هناك بعض التجاوزات الفردية، والكل يعلم أن هناك دوائر رقابية في جهاز الشرطة، وهناك حالات كثيرة تمّ عقابها في عملية التجاوزات من أفراد الشرطة".
يعتقد العامودي أن نسبة الشكاوى الصحيحة لا تتجاوز 10%، وقال: "النسبة المتبقية 90% هي ليست مغرضة، لكنها تتعلق بجهل في فهم المواطن للإجراءات الصحيحة في اتخاذ القانون"!
وتابع: "المواطن لا يستوعب عملية تفتيش منزله بدون مذكرة من النيابة العامة، في المقابل يكن هناك مطلوب للشرطة دخل المنزل عنوةً، أو هناك مسألة يسمح لها القانون بعملية التفتيش والقيام بهذه الإجراءات، وهي بالنسبة للمواطن تعتبر جريمة لكنها في الحقيقية إجراء صحيح".
ثم قال: "لا أخفيك أن كثيراً من المشتكين لم يكن القصد منه تقديم شكوى لعدم سلامة الإجراءات بقدر ما أنه يرغب في إيصال حالة إنسانية للمؤسسات الحقوقية بأن وضعه الاقتصادي كان سبب تعرّضه للاعتقال لدى الشرطة".
نقل معدّ التحقيق حادثة المواطن رمضان صافي إلى طاولة العامودي لتقديم توضيح حول الحادثة، أجاب نائب مفتش عام الشرطة: "قد يجوز أن الواقع الذي شاهدته الامرأة (زوجته) هو بنفس ما روته، لكنها اقتضبت الحقيقة، أنا لست مطلعا على الموضوع بتفاصيله لكن أعتقد أنه لا يوجد إمكانية مطلقاً للمداهمة بدون مذكرة نيابة أو أمر قضائي".
تنص المادة (29) من قانون الإجراءات الجزائية رقم 3 لسنة 2001 على أنه "لا يجوز القبض على أحد أو حبسه إلا بأمر من الجهة المختصة بذلك قانوناً، كما تجب معاملته بما يحفظ كرامته، ولا يجوز إيذاؤه بدنياً أو معنوياً".
** جوهر القانون
يمتلك مكتب مفتش مراقب عام الشرطة "لائحة عقوبات" مخصصة بالمخالفات الانضباطية لأفراد الشرطة، صادرة من عام 2010، ومصدّق عليها من وزارة الداخلية والمجلس التشريعي.
لم يكنّ مصرحّا الحصول عن نسخة منها، لكنّ "معدّ التحقيق" اطلع عليها، فكان في مقدّمة هذه اللائحة أن عقوبة "مخالفة الأوامر والتعليمات"، وهو البند الرئيسي المتصل بإجراءات التوقيف، هي الحجز لدى أمن الشرطة لمدة 1-21 يوماً، أو عقوبات اختيارية: "دورة أو نقل أو تنبيه".
كما لاحظ معدّ التحقيق عدم وجود مدونة سلوك لأفراد الشرطة تضبط سلوكياتهم.
قانون الإجراءات الجزائية رقم 3 لعام 2001، أحد القوانين السارية الذي أعطى الشرطة الصلاحية الإدارية والقضائية
طلبناً من مكتب مفتش عام الشرطة أن نجري برفقتهم زيارة لإحدى دوائر التنفيذ في مركز شرطة مجاور. رافقنا العامودي وأحد ضبّاط ديوان المظالم وحقوق الإنسان إلى مركز شرطة الرمال وسط مدينة غزة.
هناك قابلنا الرائد علاء الدلو، مسؤول التنفيذ في مركز شرطة الرمال، يجلس على مكتب تكسوه أوامر إيقاف، موزّعة على شكل رُزم، ربما يفوق عددها الـ 300 أمر توقيف!
لخّص الدلو مهامهم في جملة: "دورنا متابعة الأوامر الواردة إلينا من النيابة العامة والمحاكم؛ وتنفيذها وفق الإجراءات القانونية المتبعة". سألناه: "هل حصل أن خرجت دورية شرطة بدون أوامر توقيف أو مذكرات تفتيش لأي هدف؟"، فأجاب: "هذا مستحيل". لكنه عاد وقال: "ترد لنا شكاوى ضد بعض أفراد الشرطة، لكنّ جزءاً ضئلاً منها يكن حقيقياً وصادقاً"، دون أن يوضح مضمون هذه الشكاوى.
يتفق أغلب من تحدث معهم معدّ التحقيق على أن إجراءات التوقيف لدى شرطة غزة تستوجب رقابة أكثر صرامة تراعي القانون، وتتحلل من ذرائع العمل تحت الضغط وعامل الوقت والنفوذ، وتراعي أيضاً أن الرحمة هي جوهر القانون.