لم يخل سباق الانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها في تونس من طابع الفكاهة والتندر التي رافقت بعض المرشحين، سواء ممن أودعوا بشكل رسمي ملفاتهم أو ممن أعلنوا عن ذلك أمام كاميرات الإعلام المحلي والدولي ثم تراجعوا، ليثيروا عاصفة من الجدل.
وقارب العدد النهائي للمرشحين المئة، يتوزعون بين شخصيات حزبية ومستقلة لها وزنها وتاريخها السياسي، وأخرى مغمورة من عامة الشعب في مشهد رآه كثيرون تجسيدا لحق دستوري، في حين وصفه آخرون بالمشهد المسيئ لهيبة منصب رئيس الجمهورية.
وأغلقت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات أبوابها أمس الجمعة أمام المرشحين لمنصب الرئيس، ليبلغ العدد الإجمالي 97 مرشحا بحسب ما أكده عضو الهيئة عادل البرينصي للجزيرة نت، مشددا على أن 66 مرشحا أسقطت ملفاتهم بسبب عدم استيفائهم التزكيات اللازمة.
سخرية ونقد
وبعيدا عن المرشحين الجديين الذين أودعوا ملفاتهم، انشغل ناشطو منصات التواصل في تونس بشخصيات مغمورة تنحدر من طبقات اجتماعية متوسطة ودنيا، رأت في نفسها الكفاءة وتقدمت بملف ترشحها لأعلى منصب سياسي في البلاد.
وأعلنت في وقت سابق فنانة استعراضية وراقصة تدعى نرمين صفر عزمها الترشح للانتخابات، طارحة برنامجا انتخابيا مثيرا للجدل من خلال منح المرأة ثلثي الميراث ومنع الزي "الأفغاني" مقابل ارتداء اللباس التقليدي التونسي المعروف باسم "السفساري".
بدوره أثار الشرطي فتحي الكريمي الجدل بسبب الهندام الذي ظهر به خلال تقديم ترشحه لمقر هيئة الانتخابات، بربطة عنقه المفتوحة، حيث رآه كثيرون غير لائق، في حين أكد أنها مقصودة لإيصال رسالة للتونسيين.
وأعلنت وزارة الداخلية إيقاف الكريمي عن العمل وعرضه على لجنة التأديب، بسبب ترشحه للانتخابات الرئاسية دون الحصول على رخصة قانونية من الوزارة.
من جهته تقدم رسام يعيش حياة التشرد يدعى عبد الحميد عمار بملف ترشحه وهو الذي شغل التونسيين بسبب صورة التقطت له بلحية مشعثة وملابس رثة في وداع رئيس الجمهورية أثناء مرور موكب جنازته وسط العاصمة.
ومن بين المرشحين المثيرين للجدل أيضا، راعي أغنام مشهور باسم "المكشط"، قال إن برنامجه الانتخابي يرتكز على الدفاع عن حقوق الفلاحين والفقراء.
مرشح آخر محسوب على خط الثورة يدعى محمد أمين العقربي اختار أن يتقدم للانتخابات الرئاسية ليوجه -كما أعلن عبر صفحته على فيسبوك- رسالة قاسية لفلول الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، متشبثا بحقه الدستوري في التقدم للانتخابات.
كوميديا سوداء
ووصف المختص في علم الاجتماعي عادل الوشاني إقبال التونسيين بمختلف طبقاتهم الاجتماعية للترشح لمنصب الرئاسة بالظاهرة الصحية، التي كسرت الصورة النمطية للرئيس المتعالية على الطبقات الشعبية.
وقال للجزيرة نت إن "نزول السلطة من المافوق النخبوي والطبقي المنفصل إلى الداخل الاجتماعي المتصل دليل على شعور عام يعتري التونسيين بعد الثورة بأن مصاعد الترقي الاجتماعي مفتوحة للجميع وبأن حلم الوصول للرئاسة ليس مستحيلا".
وشدد على أن عددا كبيرا ممن قدموا ترشحهم الذي وصف بـ"الفلكلوري" كان بهدف الظهور في الإعلام ولفت الانتباه من حولهم وعيش شعور النجومية ولو لوقت قصير، لكنه أيضا نوع من "الكوميديا السوداء" في إطار التجرؤ على السلطة في أعظم تجلياتها بعد عقود من القمع والاستبداد.
وتفاعل مثقفون ورجال سياسة مع التنوع الذي عرفته الانتخابات الرئاسية، في حين اختلفت آراؤهم حول طبيعة المرشحين وأسمائهم.
وقارن الباحث كريم المرزوقي بين المشهد الانتخابي في تونس ونظيره في مصر، بعد أن ألقى السيسي بجمع منافسيه في السجون أثناء الانتخابات الرئاسية.
وتابع في تدوينة له "في آخر يوم للترشح للانتخابات الرئاسية لا يمكن إلا أن نفخر بمشهد الأيام الثمانية أمام مرشحين يقدمون ملفاتهم دون تضييقات، مما دفع بمواطنين بسطاء للترشح دون استكمال الشروط، وهذه الترشحات الموصوفة بالفلكلورية تظل تفصيلا في مشهد عظيم..".
وعلق القيادي السابق في نداء تونس برهان بسيس بشكل لم يخل من السخرية من صورة أحد المرشحين من عامة الشعب أثناء تقديمه ملف ترشحه أمام هيئة الانتخابات حاملا بيده كيس خبز.
ودون بسيس "أنا الشعب أنا الشعب لا أعرف المستحيل.. أنا الشعب أنا الشعب لا أرتضي بغير الخلود بديلا".
وسبق لبسيس -الذي يعد من أبرز وجوه منظومة الرئيس السابق بن علي- أن وجه دعوة لهيئة الانتخابات للتوقف عن استقبال ما وصفها بـ"جحافل المضطربين وعابري السبيل" غير الجديين، مؤكدا أنها ستساهم في الإساءة لصورة الدولة.
وينتظر أن تجرى الانتخابات الرئاسية المبكرة منتصف الشهر القادم، ويصعب التكهن بما ستفرزه نتيجة الصندوق، في ظل دخول جميع الأحزاب الكبرى بثقلها الانتخابي من خلال ترشيح شخصيات لها وزنها على غرار نائب رئيس حركة النهضة عبد الفتاح مورو ورئيس الحكومة يوسف الشاهد.