للوهلة الأولى، بدا من القرار الذي اتخذته (إسرائيل) قبلأيام بالسماح للفلسطينيين ببناء بضع مئات من الوحدات السكنية في منطقة "ج"، التي تشكل أكثر من 60% من مساحة الضفة، بأنه عدول عن السياسة التي انتهجتها إزاء هذه المنطقة والهادفة إلى تقليص الوجود الفلسطيني إلى أقل مستوى ممكن؛ لكن سرعان ما تبين أن القرار جاء ليحسن من قدرة (إسرائيل) في السيطرة على المنطقة وحسم مصيرها نهائيا.
فقد كان مستهجنا أن وزراء حزب "البيت اليهودي"، الذي يمثل التيار الديني القومي في حكومة نتنياهو، كانوا من المتحمسين للقرار؛ مع العلم أنهم، سيما وزير المواصلات بتسلال سمورطيتش، الذي كان من أشد المعارضين للسماح للفلسطينيين بالبناء في المنطقة "ج".
لكن سرعان ما اتضح أن القرار مرتبط بتوجه إسرائيلياستراتيجي يهدف إلى محاولة إحداث تحول على المكانة السياسية لمنطقة "ج" والتمهيد لفك الارتباط بين هذه المناطق وبقية مناطق السلطة الفلسطينية، وتقليص قدرة القيادة الفلسطينية على التدخل في شؤون هذه المنطقة؛ إلى جانب تقديم مسوغات للتوسع في عمليات تدمير المنازل الفلسطينية، تحت ذريعة مواجهة ظاهرة البناء غير المرخص.
في الوقت ذاته، يتضح من خلال التلميحات الإسرائيلية أن القرار مرتبط بمخططات (إسرائيل) المعلنة بضم التجمعات الاستيطانية في الضفة الغربية لـ(إسرائيل) بعد الانتخابات القادمة، التي سيتم تنظيمها في سبتمبر القادم.
وقد أشارت صحيفة "هارتس" إلى أن القرار الإسرائيلي يهدف إلى نزع المسوغات التي تستند إليها الجهات الرسمية في تبرير تدخلها في مناطق "ج".
ومن الواضح أن القرار يأتي لاحتواء موجات التنديد الدولي لعمليات تدمير المنازل التي قامت بها (إسرائيل) مؤخرا، سيما تدمير حي "وادي الحمص" في بلدة "صور باهر"، الواقعة جنوب القدس.
فـ(إسرائيل) من خلال السماح ببناء بعض مئات من الوحدات السكنية للفلسطينية تحاول إرسال رسالة للعالم مفادها أنها لا تقوم إلا بهدم المنازل التي يتم بناؤها بغير ترخيص.
مع العلم أن عدد الوحدات السكنية التي سمحت (إسرائيل) ببنائها أبعد ما تكون عن تلبية الحاجة للمساكن التي تفرضها الزيادة الطبيعية في عدد الفلسطينيين الذين يقطنون المنطقة "ج".
إلى جانب ذلك، فإن القرار يمنح (إسرائيل) الفرصة لحسم مصير المنطقة "ج" عبر إحداث طفرة في بناء المشاريع الاستيطانية، الهادفة إلى تهويد الأرض الفلسطينية. فمقابل 745 وحدة سكنية للفلسطينيين، قررت (إسرائيل) بناء 6000 وحدة سكنية في المستوطنات اليهودية.
وقد أبلغ الوزير الليكودي تساحي هنغبي إذاعة الجيش الإسرائيلي بشكل لا يقبل التأويل أن القرار جاء لتمكين (إسرائيل) من التوسع في تدمير المنازل الفلسطينية في أرجاء منطقة "ج" وبقية مناطق الضفة الغربية والقدس في إطار مواجهة "البناء غير المرخص".
وأوضح هنغبي أن القرار مرتبط بمخططات حكومة بنيامين نتنياهو بضم التجمعات الاستيطانية وفرض السيادة الإسرائيلية عليها بعد الانتخابات، حيث أشار إلى أن منطقة "ج" ستكون جزءا لا يتجزأ من (إسرائيل) "ولن نسمح بوجود أية سيادة أجنبية عليها".
ومما يشي بأن الخطوة التي أقدمت عليها حكومة نتنياهو تأتي في إطار تنسيق مسبق مع الإدارة الأمريكية، لتوفير بيئة تسمح بضم أجزاء من (إسرائيل)، ويظهر ذلك من خلال السفير الأمريكي ديفيد فريدمان، الذي دافع مؤخرا وبحماس عن ضم المستوطنات، إلى جانب حرصه المشاركة شخصيا في افتتاح أحد المشاريع الهادفة إلى تهويد المنطقة الفاصلة بين بلدة "سلوان" والمسجد الأقصى، وسارع للترحيب بالقرار الإسرائيلي، كما نقلت ذلك الإذاعة العبرية.
وهناك ما يدلل على أن هذا القرار، الذي اتخذ بالتزامن معوصول جاريد كوشنر، صهر وكبير مستشاري الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للمنطقة، يندرج في إطار التنسيق الإسرائيلي الأمريكي الهادف إلى تهيئة الظروف التي تمكن ننتياهو من الوفاء بتعهداته بضم التجمعات الاستيطانية في الضفة الغربية ومناطق كبيرة من المنطقة "ج" لـ(إسرائيل).
يذكر أن جميع المستوطنات اليهودية المقامة في الضفة الغربية تم تدشينها في المنطقة "ج"، التي تضم أيضا منطقة "غور الأردن"، التي تمثل 28% من الضفة.