يعيش الاحتلال الإسرائيلي حالة صدمة جراء تصاعد عمليات المقاومة في الضفة الغربية مؤخراً، في ظل كل الإجراءات الأمنية والسياسات التي يتخذها لمنع تنفيذ أي عمليات مقاومة ضمن سياسة "جز العشب" التي يتبعها منذ سنوات والقائمة على ملاحقة كل من يفكر أو يدعم أو ينفذ أي عمليات مقاومة".
وفيما يبدو فإن هذه السياسة لم تنجح في القضاء تماماً على المقاومة في الضفة في ظل توفر وتصاعد كل عوامل الانفجار، وقد شكلت عملية التفجير الأخيرة التي وقعت الجمعة الماضي في منطقة دوليب برام الله، وأسفرت عن مقتل مستوطنة إسرائيلية، وإصابة اثنين من أقاربها، صدمة في الأوساط الأمنية والسياسية الإسرائيلية كونها مثلت شكلا جديدا من العمليات والقدرات.
وأعادت العملية للأذهان رعب الاحتلال من العودة للعمليات التفجيرية والاستشهادية التي نشطت في الانتفاضة الثانية.
ألون بن دافيد المحلل العسكري في القناة 13 الإسرائيلية قال "العبوة التي انفجرت في المستوطنين، كانت غير عادية مقارنة بما تم ضبطه في الماضي".
وأضاف: "العبوة تزن حوالي 3-4 كيلوغرام، وتحتوي على الكثير من الشظايا، لذلك لو كان هناك مجموعة أكبر من المستوطنين، لوقع المزيد من الضحايا في الحادث، وكما ذكرنا هذا عمل مخطط ومنظم ليس هجومًا عفويًا أو دون تحضير".
وتابع المحلل العسكري الإسرائيلي بقوله: "من غير المعروف ما إذا كانت المجموعة التي نفذت عملية دوليب، تنتمي إلى أي منظمة، ولكن يمكن القول أنه عمل مخطط له مسبقًا - ويبدو أن المنفذين يعيشون في منطقة الهجوم".
الضفة شهدت خلال السنوات الأخيرة موجات مختلفة من العمليات سواء الشعبية أو الفردية أو التنظيمية، أبرزها كانت انتفاضة السكاكين التي اندلعت أواخر العام 2015، وقد ذهب البعض لوصفها بالانتفاضة الثالثة، إلا أن هناك من يجزم بأن الانتفاضة الثالثة قد اندلعت أو على وشك الاندلاع.
هناك من ذهب أبعد من ذلك، وقال إنها اندلعت منذ الأول من أكتوبر 2015 وما زالت مستمرة، وآخر استبعد اندلاع الانتفاضة، لأن شروطها لم تنضج بعد، فهي بحاجة إلى أمل وهدف قابل للتحقيق ووحدة وطنية في إطار مؤسسة جامعة وأشكال نضال متفق عليها.
الكاتب والمحلل السياسي هاني المصري وصف الحالة القائمة بالضفة بالقول "منذ الانتفاضة الثانية وحتى الآن، تأخذ "الانتفاضة الثالثة" شكل الهبات والموجات التي تتحرك بين مد وجزر: مرة في القدس، وأخرى في غزة، وثالثة دفاعًا عن الأسرى، أو لمواجهة الاستعمار الاستيطاني والاعتداءات على الأرض والسكان والمقدسات والعنصرية الإسرائيلية التي غدت دستورًا في (إسرائيل) بعد إقرار "قانون القومية"، إضافة إلى حملات المقاطعة ولجان حق العودة".
وأكد في مقال سابق له أن هناك من اعتبر أن التصعيد الإسرائيلي واستباحة أراضي السلطة، وخصوصًا في رام الله والبيرة، يستهدف إزاحة السلطة ووضع الإدارة المدنية أداة الاحتلال بديلًا عنها، التي وصلت إلى مقربة من بيت الرئيس محمود عباس ومقر عمله، واقتحام مقر وكالة وفا الرسمية، وتعليق مجموعة متطرفة من المستوطنين ملصقات تطالب بإعدام الرئيس، لدرجة أن عضو كنيست من حزب الليكود الحاكم دعا إلى إعدام الرئيس ونائبه في حركة فتح محمود العالول.
وربما يعكس تصريح نتنياهو أن الشاباك أحبط 600 عملية منذ بداية العام 2019 حجم الجهد الأمني الذي يبذله الاحتلال إلى جانب اعتماده على التنسيق الأمني مع السلطة في منع العمليات لكن بالمقابل يؤكد أن جذوة المقاومة في الضفة موجودة وتتصاعد ولكنها تشهد موجات ترتفع وتنخفض.
ولا يعتمد الاحتلال في محاربة المقاومة على الجهد الأمني والاستخباري فقط بل يعتمد سياسة تنفيس الأزمات خاصة أزمة تحويل أموال المقاصة التي بدأت منذ شهر فبراير العام الجاري ما دفع السلطة لدفع نصف راتب لموظفيها، حيث بحث عن عدة بدائل لتخفيف أزمة السلطة المالية وتمكينها من دفع رواتب موظفيها بالكامل وذلك عبر إلغاء ضريبة البلو التي يجبيها على المحروقات من السلطة، إلى جانب تحويل 2 مليار شيكل من أموال المقاصة لها الشهر الجاري ما سيمكنها من دفع رواتب بنسبة 110 % لموظفيها كما أعلن رئيس حكومة رام الله محمد اشتيه.
ويمكن القول إن إجراءات التنفيس تهدف لتخفيف الأزمة والاحتقان بالضفة الذي من شأنه أن يمنع الانفجار ويمنع انهيار السلطة التي يعتبرها الاحتلال عنصرا أساسيا لاستقرار الأوضاع الأمنية.