يحمل كرته بين يديه، ويخرج، كأي طفل آخر في سنه لم يكمل الثانية عشر، وبجسد هزيل رشيق يداعب كرته مساء مع أقرانه، يضحك، يصرخ، يركض، كفراشة تتقافز، لكنه في جمعة ما على حدود غزة يتحول فجأة إلى أسد، يترك الكرة فجأة ويركض باتجاه أحدهم.
هذا عز الدين صمصوم، طفل صغير بجسد هزيل، قد يبدو لك للوهلة الأولى أنه يمكن أن يقبل بقطعة من الشكولاتة ويعود أدراجه إلى البيت. لكن فجأة وهو يتجمهر مع أصدقائه على الحدود، يسقط مصاب أمامه بالقرب من السياج الفاصل، بجانب أقرب نقطة من الجندي الإسرائيلي.
يقفز عز الدين بدون تفكير ويركض تجاه المصاب ثم ينزع بلوزته القطنية ويضمد بها جرح المصاب الغائر، ويصرخ بأعلى صوته طالبا النجدة.
عز الدين يسكن في أحد البيوت القريبة من التماس، نسأله عن سر شجاعته فيقول: وهل أنا صغير؟، لست طفلا صغيرا، (إسرائيل) سرقت طفولتي ويجب أن أعيدها.
ما الذي حدث في ذلك اليوم؟ يقول عز الدين: صرخ الشاب وقال إلحقوني، فسألته أين هي إصابتك فأشار إلى كتفه، فسارعت وخلعت بلوزتي وربطتها على مكان الجرح.
عز الدين الذي يحلم بأن يكون طبيبا، لا يقبل أن يعتقد الناس أنه مجرد طفل، بل هو أحد المقاومين للاحتلال، ويريد أن يصبح طبيبا ليداوي الجرحى ويقاوم بطريقته الخاصة لتحقيق أحلامه، وهذا يعكس وعيا كاملا لرسالة طريقها إكمال تعليمه، ويعي تماما تلك الحقوق التي سلبها الاحتلال من الطفل الفلسطيني على مدى سبعين عاما.
حقوق مسلوبة
ورغم جسارة الطفل صمصومإلا أنه لم يكن من المستبعد أن يستهدفه المحتل صاحب التاريخ الطويل في استهداف الأطفال منذ بدء مسيرات العودة في نهاية مارس من العام الماضي.
ولقد أصبح الأمر جليا بأن الاحتلال يحاول استهداف الأطفال بشكل مباشر، ووفقا لتوثيق المؤسسات الحقوقية فإن هناك خطة واضحة ومدروسة لذلك حيث استهدف جنود الاحتلال أكثر من "55" طفلاً بينما أصيب أكثر من "3000" آخرين، منذ انطلاق فعاليات مسيرات العودة وكسر الحصار في الـ 30 من مارس 2018، الأمر الذي يشير إلى الخطة المنهجية التي يسعى الاحتلال من خلالها لقتل الأجيال الفلسطينية القادمة.
كما وثقت مؤسسات حقوقية استشهاد 11 طفلا فلسطينيا بنيران قوات الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية وقطاع غزة، منذ بداية العام الجاري، فيما لا يزال 250 طفلا دون سن 18 عاما يقبعون في الأسر، محرومين من أبسط حقوقهم.
وما زال الاحتلال ينتهك - بشكل ممنهج وصارخ، الحقوق الأساسية للأطفال الفلسطينيين كالحق بالحياة والتعليم والحرية والعيش بأمان وغيرها.
الانتهاكات ظهرت في بيوتهم المهدمة ومنع عدد كبير منهم من التعليم من خلال اعتقالهم أو بالحواجز التي تفصلهم عن مدارسهم أو بقصف بيوتهم على الحدود ومزارعهم الأمر الذي يستوجب محاسبتها على هذه الممارسات وتقديم قادتها للمحاكمة على الجرائم التي ارتكبوها بحق الأطفال الفلسطينيين.
استهداف متعمد
ولفت المستشار القانوني لمسيرات العودة صلاح عبد العاطي إلى أن الاحتلال لديه خطة ممنهجة لاستهداف الأطفال وذلك اتضح من تعمد الجنود المنتشرين اقتناصهم على السياج الحدودي، بالإضافة إلى قنابل الغاز التي ترشقهم بها الطائرات بشكل مكثف، مع تجاهل الاحتلال للنداءات الدولية والإحصائيات والأرقام التي تثبت تورطه في استهداف الأطفال العزل على الحدود.
ويرى عبد العاطي أن الاحتلال يستهدف الأطفال لينشر الرعب في قلوب ذويهم ويضغط لإيقاف النضال السلمي في قطاع غزة، ولأن موت الأطفال يكون أكثر تأثيرا في وسط أي مجتمع فإنه يتعمد قتلهم واستهدافهم.
ويبدو رغم كل الإحصاءات والتخويفات التي ينتهجها الاحتلال في محاولة لردع أطفال المسيرات إلا أن ذلك يدفعهم أكثر للتواجد كل أسبوع والتضحية بأرواحهم في سبيل إنقاذ مصاب أو إسعاف آخر، كما فعل عز الدين صرصور.