سأل رجل سفيان الثوري : أني رجل أخيط ثياب السلطان هل أنا من أعوان الظَلمة ؟ فقال سفيان : بل أنت من الظلمة أنفسهم ولكن من أعوان الظلمة من يبيع منك الخيط والإبرة؟
وكان مما قرأت عن الظُلم قوله تعالى في سورة المؤمنون الآية 101) فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون(
سبب تلك المُقدمات التي استهل بها حديثي، هو أن أهل المرحومة _بإذن الله_ إسراء غريب مُدانون أمام أنفسهم وأمام الرأي العام وعليهم التوضيح وكشف حيثيات قصة وفاة ابنتهم إسراء لِيُبَرّؤوا أنفسهم أمام أنفسهم قبل الناس، وكل من اهتم بتلك القضية وتحدث عنها وخاض فيها، ليسوا مُخيّرين في تلك النُّقطة ،مِن حق الناس أن يعلموا.
لماذا أكتب عن هذا الموضوع الآن، لأنني لم أكن على علم كبير بالموضوع، لم أكن قد استمعت لصرخات إسراء واستنجادها، صوت بكائها المكلوم وصراخها المُدَوي وحين سمعت ذاك الصوت لم أ قدر على منعه من التردد داخل أذنيّ ، حالي حال الكثيرين ممن سمعوا، في هذا الحديث أنا لست بصدد الإفتاء ولا التشهير ولا الخوض فيما يخوض به الكثيرون...
إن أكثر ما لفتني في القضية بخلاف تعاطفي مع جنس الإناث الذي قد يتعرض لصور بشعة من القمع والتعذيب لا نعلم ولا نسمع عنها شيء، أشد ما حركّني في هذه القصة تقاليد مُجتمعنا البالية وأعرافه المُهْتَرِئة، وعاداته المُتَرَهّلة، والتّي تتحكم بنا أكثر من الدين، والصحيح أننا مجتمع إسلامي والأصل أن يكون منهاج حياتنا واحتكامنا الدّين القويم ،هذا المنهاج الذي أثبت صلاحه وفعّاليته منذ 1440 عام، الدين الذي يصلح لِكُل زمان ومكان...
لقد منحنا الدين حق الاختبار والمفاضلة، أعطى كلا الخاطبين حُرّية النّظر والجلوس، وكلنا نعلم قصة الرجل الذي سأله الرسول صلى الله عليه وسلم، هل رأيت مخطوبتك؟ فقال له: لا، قال : له اذهب وانظر إليها فإن في أعين الأنصار حور، كما أن الحكمة من مشاهدة الخاطبين هو الارتياح والقبول الذي لا يستطعن النساء وصفه، إنما لا يتم إلا بالمشاهدة والمعاينة.
لماذا ينظر المجتمع للفتاة العاقلة الواعية التي تطلب الجلوس مع من تقدم لخطبتها من أجل الحديث والتّعَرّف أنها فتاة جريئة وخرجت عن أعراف القبيلة؟
مجتمعنا من الداخل هش وضعيف الأركان للأسف، تبقى حالة صدام الرجل والمرأة في هذا المجتمع يشوبها شيء من الاضطراب، حتى فرصة الاختلاط بينهما في مجال العمل أو الدراسة تخرج بعلاقات خاطئة، وحتى الذين يوهمون أنهم يُحبون بعضهم ،يستنزفون تلك المشاعر بطريقة خاطئة، ويجذبهم الشكل أكثر من أي شيء آخر، لا عقل ولا تفكير ويبقى الواقع شيء آخر، كثير من الجهل وكثير من الاضطراب والتشوش.
كُل القصص الفاشلة التي نسمع عنها ليست خبط عشواء، إن الموضوع متراكم وقصة على قصة سبب كومة من المشاكل لا يُمكن حلّها وفجوة عميقة لا يمكن تجسيرها، ويبقى المجتمع هو المُسيطر الأول والأخير.
قصة الطلاق تلك ،سببها زواج الأقارب الذي يحدث بالطريقة المعروفة لجميعنا ثم مع العِشرة يعلم كلا الزوجين أن الحياة بينهم مستحيلة، وتلك دخلت في علاقة مشبوهة مع زميل لها في العمل لأنها غير مقتنعة بزوجها، وذاك الزوج يُحادث العشرات من الفتيات بحجة أنه غير متفاهم مع زوجته، وذاك يُريد أن يتزوج زوجة ثانية لأنه اكتشف مع الأيام أن زوجته غير متماشية مع مستواه الفكري.
للأسف نحن نُعالج اعوجاجنا بأخطاء أكثر فظاعة ، أخبروني كيف لِمُجتَمع ركيك مِن الداخل أن يُنشئ أبناءه؟، كيف ستُعَلّم تلك المرأة ابنتها أن الرجل ليس بُعبُعاً ولا أمراً مُخيفاً؟ ، كيف ستُحافِظ الفتيات على أنفسهن مِن الوقوع في الخطأ؟ ، كيف ستكون تلك البنت رقماً صعباً لا يُمكن تحطيمه أو اختراقه، تعرف ما لها وما عليها وتضع حدود للجميع في تعاملاتها؟ ، وكيف سيكون ذاك الرَّجل محافِظاً على نفسه وبيته وزوجته ولا تلْفته أي امرأة مارّة أو فتاة عابرة، لنبني علاقاتنا على أساس قويم ولنحترم علاقاتنا ونُقَدّسها، لِنهدم أيَّ علاقة مضطربة أو غائمة، لِتَكُن كُلّ علاقاتنا في النور لا حاجة لنا بالظلام أبداً.؟
إن رجعنا إلي ديننا وحكّمناه في حياتنا لصَحّت حياتنا واستقامت.
" إسراء غريب" قضية رأي عام
بقلم: لبنى عبد العزيز ابو جلهوم