"أمانة تشتري مني يا عمو، الله يخليك ويسعدك ويوفقك اجبر عني بدي اكل فش في دارنا أكل " هذه الكلمات سمعتها من أكثر من طفل يتسولون عند المفترقات من ركاب السيارات، وعن الجامعات قصدت أن ألفظ لفظ متسول مع أنهم يتظاهرون بأنهم يبيعون البسكويت، ولكن هذا تسولاً، وليس بائع متجول، فالفرق بينهم كبير والبائع المتجول هو شخص يتجول بكمية من البضائع ليبيعها دون استجداء أحد لشرائها، أما المتسول المخفي هو الشخص الذي يختبئ خلف التسول بعلبة بسكويت لا قيمة لها ويستجدي الناس بكرمهم وعاطفتهم، ولن يشتري منه أحد إلا إذا أراد أن يتحنن عليه ويعطيه مالاً، ليس من أجل شراء ما يبيع ،إنما من أجل أن يتصدق بأمواله.
البعض يتعامل مع هذه الظاهرة كأنها ظاهرة بائع متجول حسب المفهوم الدارج، ولو سلمنا جدلاً بأنها من قبيل هذا المفهوم بائع متجول، فهذا يقودنا لمفهوم عمالة الأطفال بمعناه السلبي، وهي أن يقوم الطفل بأعمال لا تناسب عقله وقدراته وعمره، ويكون لها آثار سلبية، وبالتالي ينعكس على سلوك الطفل وعقله وجسمه وبنيانه.
ولو نظرنا نظرة تحليلية لهذا التعريف فكل ما يحتويه ينعكس تماما على الواقعة التي نناقشها، طفل يستجدي أحدا ليشتري منه ألا يتعلم الذل والخضوع؟ يقوم بهذا العمل بالحر الشديد هل يتناسب هذا مع عمره؟ أليس من في مثل عمره يجب أن يكونوا في مدارسهم؟
أثار ذلك سيتولد عند الطفل نقمة اتجاه المجتمع، فالكثير لا يتعاطى مع هذا الطفل واستجداءاته، بالإضافة لذلك سيذهب الطفل لتناول المسكنات والأدوية ليستطيع المواصلة بعمله في الحر الشديد، وحينما يكبر ستتطور معه الأدوية والمسكنات لينتقل للمخدرات وبعد ذلك لن يستطيع توفير ثمنها فيضطر لارتكاب الجرائم من اجل توفير ثمن المواد المخدرة.
طبعا هذا كله لو تماشينا مع الفهم الدارج للموضوع بأنه عمل، وليس تسول، ولكن تلك الظاهرة ليست عمل بالمطلق، لأنها تقوم على مهارتي الاستجداء والاستعطاف لكرم الناس وعطفهم، فيخلط البعض بين الفهم الدارج الخاطئ والرؤية القانونية الصحيحة، البائع المتجول مشروع وفقا للقانون، ولكن لو تماشينا مع ما هو متعارف عليه، فيعني أن عمالة الأطفال يعاقب عليها القانون، كذلك التسول فهو جريمة يعاقب عليها القانون.
في كلا الحالتين نحن أمام جريمة، إذن فهذه الظاهرة الآفة الخطيرة على المجتمع الفلسطيني تدعونا للتفكير بجدية والوقوف أمامها، ولعل ظهورها ليس حديثا إنما انتشارها بهذا الحجم حديث، وانتشارها بهذه الصورة الخطيرة يرجع لأسباب عدة:
1_ اقتصادية ويقف على رأس الهرم فيها الفقر، فالفقر آفة خطيرة ويقود الطفل لفعل هذا التسول.
2_ تعليمية ولعل افتقاد مناهجنا التعليمية لأساليب التعليم الحديث وحشو المناهج بكم هائل من المعلومات التي لا تناسب الطفل تجعله يتسرب من المدرسة هذا بالإضافة لتكاليف الدراسة، ونتيجة لذلك تكثر نسبة الأمية في المجتمع فيصير الأطفال ضحية فقر وجهل، فيلجؤون للتسول.
3_ اجتماعية: طلاق الزوجين وترك الأبناء ضحايا أو إنجاب الزوجين عدد كبير من الأبناء مع عدم المقدرة على مصاريفهم، بعد كل ذلك هناك أثار تترتب على هذه الظاهرة والآفة المجتمعية.
بعد كل ذلك ما هو المطلوب؟
أولا: نحتاج إلى بذل جهود حقيقة لحماية أطفالنا، مستقبلنا ومستقبل فلسطين الغد.
ثانيا: عمل ورشات عمل توعوية للحديث عن هذه المشكلة وأيضا التعميم على خطباء المساجد في يوم الجمعة ودعوة الناس واولياء الأمور وتحذيرهم.
ثالثا: التواصل مع المدارس لعمل اجتماعات لأولياء الأمور للتوعية والحد من هذه الظاهرة ثالثا ضمان حد أدني للأطفال لعيش حياة كريمة.
رابعا: احترام سن الطفولة القانوني.
خامسا: ضم وتبني الاطفال الذين يقومون بظاهرة التسول وإعادة دمجهم في المجتمع من جديد
سادسا: محاربة الظاهرة اجتماعيا وعدم التعاطي مع مثل هذه الحالات
اخيراً: حل مشكلة الانقسام الفلسطيني والذي يقف على رأس هرم اسباب ما يعاني منه المجتمع الفلسطيني ومن خلال الوحدة نعمل على توفير العمل لكل ارباب الاسر الذي لا يعمون.
اختم بالقول إن حل مشاكل المجتمع هي مسئولية الجميع، فهل يعي الجميع ذلك؟
التسول بين الضرورة والادعاء
سعيد عيسى