بات تهديد رئيس السلطة محمود عباس بوقف العمل بالاتفاقيات الموقعة مع الاحتلال فارغا بلا قيمة تذكر لكثرة ما ترددت هذه الجملة على لسانه خلال العام الجاري، لا سيما بعدما أعلن منذ شهرين أنه أوقف العمل بها فعلا.
ويرى مراقبون أن الإعلان المتكرر مجرد تضليل لا أكثر وتهديد فارغ المضمون يعلم الاحتلال حقيقته.
وكان رئيس السلطة محمود عباس قد هدد بأن الاتفاقات الموقعة مع (إسرائيل) ستنتهي حال فرض سيادتها على أي جزء من الأرض الفلسطينية تعقيبا على تصريحات نتنياهو خلال حملته الانتخابية بضم غور الأردن.
لم يكن ذلك التهديد الأول فيوم الخميس 25 يوليو 2019، أعلن عباس وقف العمل بجميع الاتفاقيات الموقّعة مع (إسرائيل) ووضع آليات لتنفيذ ذلك، وفي حينها قلل الكاتب في موقع واللا العبري أمير بوخبوط من جدية السلطة في تنفيذ القرار الذي اتخذته مرارا في السنوات الماضية.
ويعتقد بوخبوط أن هناك مصلحة مشتركة بين السلطة و(إسرائيل) في استمرار العلاقة بينهما، مردفا "نتحدث مرة أخرى عن تهديدات غير مجدية لإلغاء التنسيق الأمني، هناك مصلحة مشتركة بين السلطة الفلسطينية و(إسرائيل).
ويضيف "في اليوم الذي يلغي فيه الفلسطينيون التنسيق الأمني في الضفة الغربية، سيبدأ نوع من الفوضى، هذا يذكرنا بما حدث في يونيو من هذا العام عندما تبادلت قوات الجيش إطلاق النار مع قوات الأمن الفلسطينية في نابلس، بسبب مشكلة التنسيق الأمني، وقد اختفى الحادث، لماذا؟ وفقًا لمصدر أمني، سأل جهاز الأمن أبو مازن عن كيفية الرد، رد أبو مازن: "هل قتل أحد؟ "أجابوا: "لا" أبو مازن قال حينها: "لا تردوا، استمروا بالتنسيق".
الكاتب والمحلل السياسي الدكتور هاني البسوس قال: وعد الرئيس أبو مازن أنه سينهي الاتفاقات مع (إسرائيل) إذا فرضت السيادة على الضفة، فما هي الاتفاقيات إذن التي أعلن أبو مازن عن وقفها قبل شهر؟
وذكر أن وعد نتنياهو في حال نجح في الانتخابات القادمة يعني ضم المستوطنات وغيرها من القرى الفلسطينية الواقعة في هذه المناطق ولن يتم ضم أي مواطن فلسطيني من سكانها، مبينا أن منطقتي أريحا والعوجا ستكونان محاطتين بالمستوطنات الإسرائيلية.
قرار وقف العمل بالاتفاقات ليس تضليلا فحسب، بل هو تكريس مضاف للجوانب الكارثية منها، التي كانت جزءا من "ثمن مقابل ثمن"، خاصة التنسيق الأمني، الذي أصبح الحقيقة المطلقة الوحيدة الباقية من آثار الاتفاقات.
وتشير المعطيات على الأرض أن السلطة وحدها تلتزم بالعمل بالاتفاقيات مع الاحتلال الذي تنصل منها جميعا، وخاصة مسألة "إعادة الانتشار" من المناطق المصنفة (أ، ب، ج)، بل إنها أعادت جانبا كبيرا من نشاطها الاحتلالي عمليا و"قانونيا" عبر "الإدارة المدنية " وما يعرف بـ "مكتب المنسق"، الذي وصفه أمين سر تنفيذية عباس بأنها "الحاكم الفعلي" للسلطة.
ويتساءل الكاتب والمحلل السياسي مصطفى الصواف هل يريد عباس أن يوقف كل الاتفاقيات؟ ما هي الاتفاقيات التي يريد وقف العمل بها؟ هل يريد وقف أوسلو؟ هل يريد سحب الاعتراف بالاحتلال الإسرائيلي؟ هل سيوقف التنسيق الأمني؟ ما هو الحد الزمني لتطبيق الاتفاقيات؟
وأشار إلى أن تلك التساؤلات بحاجة إلى إجابة واضحة ودقيقة وحازمة، لافتاً إلى أنَّ التصريح بشكل ضمني وبلغة حمالة أوجه يشي بأن السلطة وقياداتها لا تود تنفيذ تلك التهديدات.
وكان المجلس المركزي قد قرر في نهاية أكتوبر 2018 "إنهاء التزامات منظمة التحرير والسلطة الوطنية كافة تجاه اتفاقياتهما مع سلطة الاحتلال".
وجاء في البيان الختامي ذاته الذي أصدره المجلس المركزي أن "يتولى الرئيس محمود عباس وأعضاء اللجنة التنفيذية الاستمرار في تنفيذ قرارات المجلسين الوطني والمركزي، واتخاذ الخطوات العملية وفق الأولويات المناسبة، وبما يعزز صمود شعبنا ويحافظ على مصالحه الوطنية العليا، ويتولى الرئيس أبو مازن تشكيل لجنة وطنية عُليا لهذا الغرض".