قائمة الموقع

حرفة التنجيد.. أصالة الماضي بأدوات الحاضر

2010-09-21T14:48:00+02:00

الرسالة نت - عبد الحميد حمدونة

عندما تدخل مكان عمله يستقبلك بلطف وطيبة، وعند استماعك لحديثه ينتقل بك إلى عالم جميل من فن التنجيد ممزوج بالتعب والشقاء.

"الرسالة نت" التقت بالمنجد الخمسيني أبو شادي ممسكا بـدباسة التنجيد وما فتئ بعزيمة الرجال يصلح هيكلا من الخشب لـ"كنب قديم" جاء به أحد المواطنين لإعادة تجديده.

الحرفة وراثة

ويقول أبو شادي أن التنجيد من المهن الشعبية المتوارثة من الأجداد إلى الأحفاد عبر السنوات، فـهو ورثها من أخيه الأكبر منه سنا والذي أخذها عن جده منذ ما يقارب ثلاثين عاما.

ويضيف "أبو شادي" :"كنت مسروراً جداً وأنا أتعلم هذه المهنة، حيث تمنيت أن أكبر بسرعة حتى أقوم بهذا العمل الرائع الذي يحوّل الفرش والأغطية التي بين يديّ، إلى تحفٍ فنية رائعة تسر الناظرين".

ويشير إلى أنه يزخرف الكنب القديم بأشكال هندسية تحتاج إلى جهد كبير و"راحة بال طويلة"، بعد خلع القماش والإسفنج المتهتك عن الكنب.

وأضاف:" نستخدم دباسات للتنجيد وللخشب، والناظر إلى الكنب المجدد يعتقد للوهلة الأولى أنه جديد، ويكون سعر التجديد نصف سعر الكنب الجديد بل أقل!".

بعض الحرفيين ينجدون الفرش واللحف إذ يرون فيها حتى يومنا هذا، صحة أفضل ودفئاً أكثر من الفرش الجاهزة.

القطن صحي أكثر

المنجد محمود (19 عاما) يقول:"صحيح أن الفرش الجاهزة أثّرت قليلاً على مهنة التنجيد بشكل عام، إلا أنها لم تؤثر كثيراً على الفرش والأغطية الصوفية والقطنية فما يزال إقبال الغزيين عليها بشكل كبير".

ولفت محمود إلى أن الكثيرين تخلوا عن الفرش المنجّدة مفضلين تلك الجاهزة، إلا أنهم عادوا ونجدوا لأسرّتهم فرشاً ولحفاً من القطن والصوف.

أما من الناحية الطبية فتنجيد الفرش واللحف بالقطن والصوف أمر صحي ومفيد أكثر للجسم وخاصة الظهر، وهو أفضل من شراء الفرش الجاهزة التي تسبب أوجاعاً في الظهر.

ويوضح المنجد أبو شادي أن تكلفة تنجيد الكنب تتراوح بين (800-1000) شيقل، ويساعده في عمله أربع عمال هم منجدان ونجاران.

وبالرجوع إلى أيام زمان تستذكر الحاجة التسعينية أم محمد من مدينة المجدل المحتلة نتف القطن عند الحرفي الذي كانوا يطلقون عليه "أبو الزنط" فقد كان ينتف القطن بما يسمى عن الغزيين "مز".

ربع ليرة

وتوضح أم محمد بأن سعر اللحاف" ربع ليرة" وهي العملة التي كان يستخدمها الفلسطينيون "أيام البلاد"، مستذكرة يوم زواجها قبل 70 سنة حين أهداها والدها أربع لحافات ومثلهن "طراريح" أي شراشف، وكذلك سبع وسادات.

وأبدت الحاجة حزنها الشديد على تركهن في البلاد أثناء تهجيرهم قسرا من بلادهم.

الفرش تختلف أحجامها وأوزانها حسب مقاسها، كما يقول أبو شادي، ويضيف:"نحن من قدامى المنجدين وما زلنا نكافح للحفاظ على هذه المهنة التراثية في ظل موجة الفرش الجاهزة التي اكتسحت السوق وافترشت البيوت".

وفيما يتعلق بالأدوات أوضح المنجّد أن الأدوات الحرفية القديمة التي تستلزمها مهنة التنجيد حلّت مكانها الآلات الكهربائية الحديثة، التي تساعد على نتف الصوف وتجعله يخرج ناعماً، ليسهل استخدامه بين طيتي القماش.

وتابعت الحاجة التسعينية:" الصوف القديم نوعان "ناعم وجز" فالصوف الجز يلزم ضربه بقضيب ويتناثر جزيئات صغيرة ليصبح كومة كبيرة، أما للصوف الناعم فيستخدم المنجد إبرة طويلة ومدقة خشبية كي تزيد وزن الصوف حتى لا يتحرك أثناء التقطيب".

ولدى سؤالنا عما إذا كانت هناك فترات معينة لتنجيد الكنب، بين أبو شادي أن التجديد فقط لمرة واحدة عازيا ذلك إلى أن الخشب يصبح هشا بعد مرور فترة زمنية طويلة.

وفي ظل غليان أسعار الخشب والحصار الذي بدأ يذوب كذوبان الثلج تحت أشعة الشمس، لفت أبو شادي إلى أنه توجه حينها بالعمل للتنجيد فقط دون صناعة الكنب من البداية والذي يلزمه أطنان من الأخشاب.

رائحة الأجداد

سعيدٌ جداً أبو شادي بمهنته التي تدر عليه دخلاً وفيرا، كما أن غلاء الأسعار لم يؤثر على مهنته بل بالعكس، قد تكون نافعة له، ففي أعوام الجفاف يزداد عمله بانخفاض سعر الصوف الذي يعتبر المادة الرئيسية في عمله.

تقول السيدة أم أحمد لـ"الرسالة نت": "حاولت التخلص من جميع الفرش المنجدة من الصوف كي لا أجد مشقة في تنجيدها كل ثلاث أو أربع سنوات".

وأضافت:"جهزت منزلي بالفرش الجاهزة، على الرغم من احتفاظي باللحف المنجدة بالصوف لأنها أكثر دفئا في الشتاء".

أما المواطنة أم يوسف، فقالت:"لا أستغني عن فرش الصوف التي نجّدتها منذ أكثر من عشرين سنة لأن "رائحة الأجداد تفوح منها"، وكل سنتين أنجّدها مرة أخرى وأغيّر القماش كل أربع سنوات".

وتبقى حرفة تنجيد القطن والصوف إحدى الحرف التي ما زالت شاهدا حيا حتى يومنا هذا على عراقة هذه المهنة التي ورثها لنا أجدادنا من عشرات السنين، رغم ميل رغبات المواطنين إلى شراء الفرش الجاهزة.

 

اخبار ذات صلة