عادات وطقوس كثيرة لايزال يحفظها المزارعون في القرى الفلسطينية بعدما ورثوها عن أجدادهم، فأصبحوا يدركون جيدا أيام الزرع والحصاد وفق شهور السنة، ومن ضمن الطقوس التي لايزالون يطبقونها "التشريب" وهي طقوس شعبية لدى الفلاحين.
وكانت هناك أيضا "شحدة المطر" وهي طقس شعبي قديم، زال مؤخراً بفعل الوعي، ومحاربة الموروث الثقافي الشعبي الذي يمثل عادات وسلوك المجتمعات القروية في فلسطين.
يقول الحكواتي حمزة ديرية من قرية عقربا قضاء نابلس، وهو مهتم بجمع الموروث الشعبي وما ارتبط بالحياة اليومية إن التشريب في اللغة هو الإشباع، ونقول تشريب الملح إشباعه بالماء، وتشريب المنسف إشباعه بالمرق، - وتشريب الخيل والبهائم إشباعها بالماء.
ويحكي "للرسالة" أن الفلاحين يقولون عن طقس شحدة المطر كاملا: تشريب، وهو طقس له شكل عام وأنشطة متعددة أشهرها وضع أكوام الملح في العراء ليلا وتكون بالعادة 7 أكوام، كل كوم يمثل أحد الأشهر المطيرة من شهر 10 حتى شهر 4 وهي التي تعرفها بلادنا.
وذوبان الأكوام أو بعضها يدل على المطر وكل كوم ملح يدلل على مقدار المطر في شهره الذي يمثله.
وبحسب الحكواتي فإن هناك اهازيج تصحب ذلك أشهرها مقطوعة (شوربني) وغيرها من الأبيات والأهازيج التي لا حصر لها ترافق عمليات التشريب، وأحد صيغ التشريب في عقربا: شوربني يا شوره، والشعلوبة حرقتنا، شعلوبة روحي عنا، خلي الغين يصلنا، يصلنا حسن القرع، طول الليل وهو يزرع، يزرع في قمح بري، حط القمح في الجرة، طلعت حمرة محمرة، خبزي قحمش في عبي، افرجها علينا يا ربي.
ويروي ديريه "العقرباوي" أن في تلك الأهازيج يذكرون الجوع والعطش والزرع والغور ويحاولون ذكر الأولياء بأسمائهم وكراماتهم، وذلك لأنها غالباً ما كانت تتم عند مقامات الأولياء.
ومن أغاني الاستمطار وشحدة المطر في قرية دوما جنوب شرق نابلس، سرد ما يحفظه "شوربنّة يا طقعة... جيبي المطر والسقعة، يا ربي مطر مطر... تسقي حلق هالبقر، يا الله الغيث يا ربي.. تسقي زرعنا الغربي، يا الله الغيث يا دايم.. تسقي زرعنا النايم، يا الله الغيث غيثنا.. تبلّ بشيت راعينا، راعينا حسن الأقرع.. لا بشفع ولا بنفع، طول الليل وهو يقرع.. تا يملي خوابينا.
وكانت تتم عمليات التشريب دون الطقوس الجماعية التي ترافقها النسوة والأطفال حاملين الزرافة (عروس من مذراة قمح) وجاروشة وديكا ومنخل قمح وغيره، حيث توضع أكوام الملح السبعة (7). وينتظر معرفة نسبة هطول الأمطار خلال الأشهر المطيرة من شهر 10 حتى شهر 4.
ويؤكد ديرية أن العملية لا تقوم على دقة بقدر ما تبنى المعرفة على نسبة إشباع الجو بالرطوبة التي تتسبب بذوبان أكوام الملح.
وبحسب قوله فإن الملح المستخدم في عملية التشريب لا يكون من بيت واحد، وهذا جوهر العملية، إذ يجمعها الأطفال من كل بيوت القرية وهم يغنون: أعطونا بالغربال يا الله هداة البال، أعطونا بالمنخل ريت وليدكم يدخل.