تنتهج سلطات الاحتلال الإسرائيلي أساليب متعددة لتعذيب الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين جسدياً ونفسياً، كأداة للانتقام منهم وسلب إنسانيتهم، والأهم الضغط عليهم من أجل الحصول على اعترافات خلال فترة التحقيق، ووفقاً للمتابعة فإن ما نسبته 95% من المعتقلين يتعرضون للتعذيب، وذلك منذ لحظة الاعتقال، ويمتد ذلك في التحقيق، وحتى بعد الزّج بهم في المعتقلات العامة، حيث تتخذ سلطات الاحتلال عبر منظومة عنف شاملة طرق أخرى للتعذيب.
وقال نادي الأسير الفلسطيني إن (73) أسيراً قتلهم الاحتلال بعد تعرضهم للتعذيب وذلك منذ عام 1967م ، وخلال الست سنوات التي مضت برزت قضية الأسير عرفات جرادات عام 2013 الذي استشهد في زنازين معتقل "مجدو" بعد خمسة أيام على اعتقاله نتيجة تعرضه للتعذيب، وفي عام 2014 قتلت قوات "النحشون" الأسير رائد الجعبري بعد تعذيبه جسدياً، وفي عام 2018 قتلت قوات الاحتلال المعتقل ياسين السراديح لحظة اعتقاله بعد تعذيبه وإطلاق النار عليه من نقطة الصفر، ومن نفس العام قتلت قوات "النحشون" الأسير عزيز عويسات بعد أن عذبته في زنازين معتقل "ايشل" وعلى إثرها نُقل إلى إحدى مستشفيات الاحتلال حتى تاريخ إعلان استشهاده في تاريخ 20 أيار / مايو 2018. وفي شهر أيلول/ سبتمبر من نفس العام قتلت قوات الاحتلال المعتقل محمد الخطيب (الريماوي) لحظة اعتقاله من منزله بعد تعرضه للتعذيب، وكان آخر من قتله الاحتلال نتيجة التعذيب خلال التحقيق المعتقل نصار طقاطقة وذلك في تاريخ 16 تموز/ يوليو 2019.
لا يقتصر التعذيب على الاعتقال والتحقيق
وأوضح نادي الأسير إن مفهوم التعذيب لا يقتصر فقط على العنف المستخدم بحق الأسير خلال الاعتقال والتحقيق، بل إن كافة الإجراءات التنكيلية التي يواجهها الأسرى داخل المعتقلات تندرج تحت إطار التعذيب، وأبرز هذه الأدوات العزل الإنفرادي، واحتجاز الأسرى في ظروف قاسية وقاهرة لا تتوفر فيها أدنى الشروط الصحية، إضافة إلى عملية نقلهم التي تجري عبر ما تسمى "بالبوسطة" والتي تُشكل رحلة عذاب أخرى، وفق ما يصفها الأسرى، وكذلك تندرج سياسة الإهمال الطبي تحت أساليب العنف الجسدي والنفسي، فيه يتم قتل الأسير بشكل بطيء.
وتبرز عمليات القمع التي تنفذها وحدات القمع التابعة لإدارة معتقلات الاحتلال كأحد أبرز أساليب التعذيب الجماعي للأسرى، فمنذ مطلع العام الجاري 2019، نفذت هذه الوحدات عدة عمليات قمع امتدت منذ شهر شباط/ فبراير 2019، عندما اقتحمت معتقل "عوفر" وخلال المواجهة أُصيب العشرات من الأسرى جرّاء استخدام غاز الفلفل، والقنابل الصوتية، والرصاص المطاطي، والهراوات والكلاب البوليسية، وتلا ذلك عملية قمع في معتقل "مجيدو"، ومعتقل "ريمون"، ووصلت ذروة المواجهة مجدداً في معتقل "النقب الصحراوي" خلال شهر آذار/ مارس 2019، حيث أُصيب العشرات من الأسرى ومنها إصابات بليغة، جراء تعرضهم للتعذيب بما فيه الضرب المبرح، ورشهم بالغاز، وتقييدهم بالأسرة لعدة أيام دون تقديم العلاج للمصابين، عدا عن عملية تجريدهم من كافة مقتنياتهم وتحويل القسم إلى عزل جماعي.
التعذيب خلال عمليات الاعتقال
تمارس قوات الاحتلال أساليب التعذيب النفسي والجسدي بحق المعتقل منذ اللحظة الأولى على اعتقاله، ويتم ذلك من خلال الضرب بأعقاب البنادق على أنحاء متفرقة من الجسد، دون أدنى مراعاة لإصابة بعض المعتقلين بأمراض ومشاكل صحية ترافقهم لاحقاً حتى بعد الإفراج عنهم، ووصلت بعض الحالات إلى أطلاق النار عليهم بشكل مباشر، ونتج عنها إصابات بليغة تسببت ببتر أطرافهم، وأمراض أخرى رافقتهم حتى بعد الإفراج عنهم.
وعلى مدار سنوات وردت المئات من الشهادات لمعتقلين في مراكز التوقيف الأولى، كمركزي "عتصيون" و"حوارة"، تفيد بتعرضهم للضرب المبرح، والتهديد أثناء عملية الاعتقال، وهذا يشمل كافة فئات المعتقلين سواء الأطفال والنساء والشبان وكبار السن.
التعذيب خلال فترة التحقيق
شكلت فترة التحقيق المرحلة الأهم في مصير المعتقل وفيها يكثف المحققون استخدام التعذيب بحق المعتقلين بغية الحصول على اعترافات تدين المعتقل، وذلك من خلال أساليب تعذيب جسدية ونفسية، حيث تبدأ من اللحظة الأولى على نقلهم إلى مراكز التحقيق، وتشمل هذه الأساليب ما يلي:
الحرمان من النوم عن طريق جلسات تحقيق مستمرة تصل إلى 20 ساعة، تقييد المعتقل أثناء فترة التحقيق، شد القيود لمنع الدورة الدموية من الوصول لليدين، الضرب والصفع والركل والإساءة اللفظية والإذلال المتعمد. بالإضافة إلى التهديد باعتقال أحد أفراد أسرة المعتقل، أو التهديد بالاعتداء الجنسي على المعتقل أو أحد أفراد أسرته، أو التهديد بهدم المنازل أو التهديد بالقتل، الحرمان من استخدام المراحيض، والحرمان من الاستحمام أو تغيير الملابس لأيام أو أسابيع، والتعرض للبرد الشديد أو الحرارة، والتعرض للضوضاء بشكل متواصل، والإهانات والشتم والتهديد وغيرها.
وهناك أساليب أخرى تندرج تحت ما يسمى بالتحقيق "العسكري": وهي أساليب تستخدم في حالات تسمى "القنبلة الموقوتة" ومبررة قانونياً تحت شعار "ضرورة الدفاع" ومنها: الشبح لفترات طويلة، حيث يتم إجبار المعتقل على الانحناء إلى الوراء فوق مقعد الكرسي مما يسبب آلام ومشاكل في الظهر، أو الوقوف لفترات طويلة مع ثني الركب وإسناد الظهر على الحائط، كما يتم استخدام أسلوب الضغط الشديد على مختلف أجزاء الجسم، بالإضافة إلى الهز العنيف والخنق بعدة وسائل وغيرها.
ظروف الاحتجاز: يوضع المعتقل لفترات طويلة في الحبس الانفرادي في زنازين صغيرة خالية من النوافذ وباردة جداً، كما ويحرم من النوم ومن الحق في الحصول على أدوات النظافة الأساسية والطعام والشراب النظيفين. وتسبب هذا النوع من التحقيق بقتل العشرات من الأسرى.
وهذا ما تعرض له المعتقل سامر مينا العربيد (44 عاماً) من محافظة رام الله في مركز تحقيق معتقل "المسكوبية" وهو أسوأ مراكز التحقيق، وما يزال يرقد في مستشفى "هداسا" في حالة الخطر الشديد، ووفقاً لمحاميه فإن الأسير العربيد فاقد للوعي، ويعاني من كسور في القفص الصدري، ورضوض وآثار ضرب في كافة أنحاء جسده، وفشل كلوي شديد.
أبرز مراكز التحقيق وأكثرها سوءاً التي يتم نقل المعتقلين لها: مركز تحقيق "المسكوبية"، "بيتح تكفا"، و"عسقلان"، و"الجلمة".
هذا وأكد نادي الأسير على أن ممارسة الاحتلال للتعذيب مستمرة رغم تحريم المواثيق والمعاهدات الدولية للتعذيب بكافة أشكاله. وطالب نادي الأسير كافة المؤسسات الحقوقية الوطنية والعربية والدولية بضرورة ممارسة دورها المطلوب حيال جرائم الاحتلال ومنها جريمة التعذيب بما تشكله من خطر على الإنسانية وعلى دورها الذي وجدت من أجله.