صالح النعامي
ناقشنا في عدد " الرسالة " الصادر الخميس الماضي الموافق 16-9-2010 الأسباب التي تدعو "إسرائيل" للتخطيط لتوجيه ضربة عسكرية كبير ضد قطاع غزة، ولكن السؤال الذي تطرحه الكثير من الدوائر الإسرائيلية الرسمية: هل الأطراف الفلسطينية في غزة معنية بشن هذه الحرب؟.
لا يوجد إجابة إسرائيلية واحدة على هذا السؤال، لكن ما تجمع عليه كل هيئات التقييم الإستراتيجي الإسرائيلية أن سلوك الأطراف الفلسطينية في القطاع يمنح "تل أبيب" المسوغات لشن هذه الحرب، وينظر بشكل خاص إلى عمليات إطلاق القذائف الصاروخية من قطاع غزة باتجاه المغتصبات الصهيونية على أنه مسوغ كاف لشن الحرب عندما تقرر الحكومة الإسرائيلية ذلك.
من الواضح أن الصهاينة يستغلون إطلاق القذائف الصاروخية من أجل حشد الدعم الداخلي و الدولي والإقليمي لشن العمل العسكري الكبير على القطاع، ويمكن هنا رصد العديد من التحركات الإسرائيلية على هذا الصعيد:
أولاً: إجراء اتصالات مع الحكومات الأوروبية وأعضاء اللجنة الرباعية لوضعها في صورة ما تعتبره " المخاطر " التي يتعرض لها المغتصبون الصهاينة من تواصل إطلاق الصواريخ على القطاع، والتشديد على " حق " إسرائيل في " الدفاع " عن مستوطنيها. بالطبع فإن "إسرائيل" لا تحتاج إلى بذل أي جهد من أجل حشد دعم القوى العربية الإقليمية لضرب قطاع غزة، فهذه القوى تبدو أكثر تحمساً لأي عمل ضد حماس.
ثانياً: التحرك لدى المنظمات الدولية، وتحديداً الأمم المتحدة ومجلس الأمن لتجريم الفلسطينيين وتحديداً حركة حماس وحكومتها وتحميلها المسؤولية عن التدهور الأمني، وقد برز بشكل واضح تقديم ممثل "إسرائيل" في مجلس الأمن شكوى ضد حركة حماس بعد إطلاق قذائف، زعمت "إسرائيل" أنها تحمل فسفور مزعوم على المستوطنات الصهيونية. وسواءً كانت هذه القذائف تحمل الفسفور أم أن الأمر لا يعدو كونه فبركة، فإن الإسرائيليين يريدون استباق الأحداث قبل أي عمل عسكري قادم على القطاع ليقولوا للمجتمع الدولي: إنه إذا كان الفلسطينيون يطلقون الفسفور فإنه يحق لهم استخدام كل الوسائل من أجل وقف عمليات إطلاق القذائف الصاروخية.
ثالثاً: تواتر التصريحات الإسرائيلية التي تدعي تعاظم مخزون الصواريخ لدى المقاومة وتحديداً حركة حماس، سيما الزعم بأنه بات لدى الحركة صواريخ قادرة على إصابة مدن المركز في قلب "إسرائيل" والتي تضم التجمعات الاقتصادية والعسكرية الحساسة للكيان الصهيوني. ومن الواضح أن تكرار هذه المزاعم تحديداً يدلل بشكل خاص على نية الحكومة الإسرائيلية شن عدوان كبير على القطاع، لأن من يردد هذه المزاعم سيكون ملزماً
أمام الرأي العام الإسرائيلية بالتحرك ضد حركة حماس من أجل القضاء على مواطن التهديد المتمثلة في هذه الصواريخ.
استخلاص العبر من تقرير جولدستون
من الخطأ الاعتقاد إن "إسرائيل" قبل الانطلاق لشن عمل عسكري ما ضد القطاع لن تحاول استخلاص العبر من تقرير جولدستون، حيث أن صناع القرار الصهاينة يدركون حجم الضرر الهائل التي تسبب به هذا التقرير وخصوصاً تهاوي مكانة "إسرائيل" الدولية وتعاظم الدعوات لنزع الشرعية عنها وما أسفر عنه ذلك من تدهور علاقاتها مع الكثير من الدول في العالم، وبالتالي فإنه منذ انتهاء الحرب الأخيرة تم تشكيل أطقم قانونية لتقديم توصيات بشأن ما يتوجب على الجيش الإسرائيلي تجنبه خلال الحرب القادمة.
من هنا يفترض أن الإسرائيليين سيتجنبون ما أمكن العودة لآليات العمل التي قادت إلى ارتكاب الجيش الإسرائيلي الأفعال التي اعتبرها " جولدستون " جرائم حرب ضد الانسانية، من هنا يفترض أن الصهاينة سيربطون بين طابع عملياتهم العسكرية وبين الأهداف السياسية التي يسعون لتحقيقها من خلال هذا الهجوم.
حماس هي العنوان
في حرب 2008-2009 اختلف صناع القرار الصهاينة حول أهداف الحرب، حيث أن رئيس الوزراء الصهيوني السابق إيهود أولمرت كان يرى وجوب تواصل الحرب حتى القضاء على حكم حماس في القطاع بشكل نهائي، وقد عبر عن ذلك صراحة بعد انتهاء الحرب، في حين أن وزير حربه إيهود براك كان يرغب في تسديد ضربة قوية جداً لحركة حماس واستعادة عامل الردع في مواجهتها، وليس إسقاط حكمها.
وقد أدى التضارب بين الأهداف وعدم الوضوح إلى الاختلاف الكبير بين الطرفين بشأن توقيت إنهاء الحرب إلى إطالة أمدها، حيث ظل أولمرت يرفض إنهائها حتى تحقيق أهدافه، في حين كان براك متحمساً لإنهائها في وقت أبكر بكثير.
وكما استهدفت الحرب الأخيرة حركة حماس، فإن أي حرب قادمة سيستهدف حماس أيضاً على وجه الخصوص. لكن في أي عمل عسكري كبير تخطط حكومة نتنياهو الحالية لتنفيذه ضد القطاع لا يبدو أن هناك ثمة خلاف حول أهداف الحرب داخل اروقة الحكومة. فعلى سبيل المثال لا يمكن أن نتوقع أن يهدف نتنياهو من شن الحرب على القطاع إلى إنهاء حكم حركة حماس، على اعتبار أن تحقيق هذا الهدف يعني استعادة الوحدة السياسية لكل من الضفة الغربية وقطاع غزة، فاستقدام عباس ليحل محل حماس يعني بالضرورة استعادة هذه الوحدة، لكن نتنياهو غير مستعد لذلك، فعودة عباس إلى القطاع ستكون ضمن تسوية سياسية سيكون نتنياهو مضطر لدفع ثمن سياسي، تدلل كل المؤشرات على عدم استعداده لدفعه، من هنا فإنه يمكن القول أن أي عمل عسكري ضد حماس سيهدف لتحقيق الأهداف التالية:
1- استعادة الردع أمام الحركة، ومن خلال ذلك تكريس الردع في مواجهة حزب الله وسوريا وإيران.
2- اضعاف حكم حماس وشله: ومن غير المستبعد أن تسعى "إسرائيل" لمحاولة خلط الأوراق في غزة عبر القيام بخطوات كبيرة، وضمن ذلك ضرب مفاصل الحركة الهامة، وضمن ذلك المس برئيس الوزراء اسماعيل هنية، على اعتبار أن ذلك سيشل الحركة وسيدفعها الى الانشغال بذاتها واعادة ترتيب صفوفها، وقد يخطر ببال الصهاينة أن تؤدي هذه الخطوة إلى حدوث انشقاقات داخل الحركة مما يؤدي الى ارتباك صفها، أي تصدير الأزمات للحركة، دون أن يعني ذلك انهاء حكمها، اللهم إلا إذا وافق عباس على تسوية سياسية لا تحرج نتنياهو أمام شركائه في اليمين والمستوطنين.
3- ضرب البنية العسكرية لحماس، ومن غير المستبعد أن يتم ضرب المؤسسات الأمنية للحكومة في غزة.
4- تنفيذ عمليات اختطاف بهدف تعزيز موقف "اسرائيل" في التفاوض على شاليط، أما محاولة تحريره.
فرملة العدوان:
على الرغم من أننا أشرنا بالتفصيل الى الأسباب التي تدفع "إسرائيل" لشن عمل عسكري ضد القطاع، إلا أن "إسرائيل" لا يمكن أن تشن أي عدوان دون أن تتوفر بيئة مواتية له، والسؤال الذي يجب أن يطرح فلسطينياً: هل الأطراف الفلسطينية في قطاع غزة تسهم في توفير البيئة المواتية لشن العدوان عبر مواصلة إطلاق القذائف على المغتصبات الصهيونية؟.
"إسرائيل" ترى في حركة حماس وحكومتها المسؤولة الوحيدة عما يجري في قطاع غزة، وهذا ايضاً ما نجحت "تل أبيب" في جعل المجتمع الدولي يتشربه بعد اتمام خطة فك الارتباط وتفكيك مستوطنات القطاع. من هنا فإن جميع الفرقاء في الساحة الفلسطينية يجب أن يجروا إعادة تقييم شاملة لوسائل وأدوات المقاومة في هذه المرحلة، واختيار البدائل التي تخدم مستقبل المقاومة.القاعدة الذهبية التي يتوجب أن يحتكم إليها الجميع، تقول: " لا يكفي أن تكون محقاً يجب أن تكون حكيماً "، فإن كان من حق حركات المقاومة العمل ضد الاحتلال، فإنه من الحكمة ألا تؤدي مخرجات عمليات المقاومة إلى تسويغ ضربها من قبل العدو الذي يستغل فائض القوة لديه وميل موازين القوى لصالحه بشكل جارف ليس فقط لتحقيق منجزات عسكرية ميدانية، بل بالأخص سياسية بالغة الخطورة.