كثير من الطقوس الشعبية تلاشت في فلسطين مع مرور الوقت، لاختلاف اهتمام الأجيال، إلا موسم الزيتون لايزال أهل فلسطين ينتظرونه فطقوسهم بقيت كما هي، كيف لا وهو "أبو المواسم" كما يسمونه كونه أهم المواسم الزراعية في فلسطين، والأول في التقويم الفلاحي الفلسطيني القديم.
عادة ما تنهمر الأمطار المحلية في أوائل شهر تشرين فتغسل الزيتون وتبرق حباته، وأحيانا تكون خفيفة على منطقة دون أخرى، وهناك مناطق في فلسطين لا تبدأ جد الزيتون الا بعد هذه الشتوية ومنهم من يسبقها، لكن حبات الزيتون بعد المطر تكون أكثر جاذبية وأجود.
كعادته يروي حمزة ديرية "للرسالة" وهو من قرية عقربا قضاء نابلس، مهتم بجمع الموروث الشعبي أنه خلال سفره إلى كفر نعمة قبل أيام بالباص كان الركاب يتحدثون عن زخات المطر التي تساقطت قبل أيام بأنها "شتوة الزيتون"، ليرد أحدهم بلهجته " هذه الشتوة مليحة مشان الزيتون "يتزتن وينغسل" أي يجري الزيت في حبة الزيتون بعد نضجه وغسل الحبة بماء المطر.
ويذكر ديريه "للرسالة" أن الزيتون موسم البركات لدى الفلاحين، كونه "رزق الموسم" الذي يبدأون فيه عاما اقتصاديا جديدا، فهو بالمأثورات والمرويات والحكايات والأمثال المُرتبطة بالزيت والزيتون.
ولا يزال الفلاحون يرددون عند قطف الزيتون "على دلعونا وعلى دلعونا.. زيتون بلادي أجمل ما يكونا، زيتون بلادي واللوز الأخضر.. والميرمية وما بنسي الزعتر وأقراص العـجـّـة لمـا تتـحـمر.. مـا أطيبـها مع زيت الزيتونا".
ومن الأمثال الشعبية التي تتعلق بموسم الزيتون يحفظ ديرية" أيام الزيت أصبحت أمسيت"، وأيضا: "أيام الزيت طول الخيط"، وذلك كناية عن قصر النهار وطول الليل، وعن السنة التي يكون فيها الجو حارا أثناء موسم القطاف، قال الفلاحون: "سنة الشّوب بتلبس الثوب"، أي أن السنة التي يكون فيها الجو حارا أثناء القطاف فإن ذلك يعني أنّ السنة المقبلة كثيرة البرودة.
وكما يخبر المهتم في التراث الشعبي فإن لموسم الزيتون صلة بأسماء الأغنام لدى الفلاحين، فتراهم يسمون أغنامهم التي تلد في الخريف (أيلول وتشرين أول وتشرين ثاني) بـ "الغنم الزيتوني".
ويبدأ الفلاح عملية جمع حبّ الزيتون الساقط على الأرض قبل بدء قطف الزيتون، وهو ما يعرف بـ "جول الزيتون"، وهذا الحب الذي يجمع يتم عصره ودرسه لوحده لأنه أقل جودة، وبالعادة يدرس ويصنع منه زيت (الطفاح)، الذي يستخرج بدرسه على حجر أسطواني (مدرس/ درداس) ثم يوضع في دلو حديدي ويصب عليه الماء المغلي ويتم تحريكه لمدة ربع ساعة، وبعدها يَطفح الزيت للأعلى وَيُجمع في إناء للأكل.
وبمتابعة ابن قرية عقربا الذي يجول في الحقول، فإن الفلاح لا يترك أي حبة من زيتونه ولو كانت جافة ويابسة، كما يحرص الفلاحون في هذا الموسم على إعانة بعضهم البعض فيما يعرف اجتماعيا بـ "العونة/الفزعة"، وهو دور متبادل طوال العام وفي كل المواسم والأعمال لدى الفلاحين: "من عاونّا عاونّاه، من عاونّا الله عانه.
وعن كيفية عصر الزيتون قديما يقول ديرية:" كان يعصر في البد "معصرة الحجر" قبل معاصر المكابس والمعاصر الحديثة "الزيت ما بطلع إلا بكثرة العصر"، وأفضل أنواع الزيت الذي يكون "من الشجر للحجر" أي الذي يعصر أولا بأول.