قائمة الموقع

"نبع السلام" تتحول لاختبار عسير للعلاقات الأميركية التركية

2019-10-16T11:23:00+03:00
أردوغان وترامب
أنقرة - الرسالة نت

استلزم الأمر سبعة أيام كي ينقلب الرئيس دونالد ترامب ويغير موقفه المؤيد للتدخل التركي في شمال شرق سوريا، ليصدر أمرا رئاسيا تنفيذيا بفرض عقوبات على أنقرة بهدف الضغط عليها لوقف عملياتها العسكرية.

وتبع ترامب وزير خارجيته مايك بومبيو الذي ذكر سابقا في لقاء تلفزيوني مع شبكة "بي بي أس" أن لتركيا مخاوف أمنية مشروعة "وهناك تهديد إرهابي لها من الجنوب" ثم عاد بعد ذلك ليطالب أنقرة بوقف كل عملياتها العسكرية التي قامت بها من طرف واحد "على الفور".

ولخص ستيف والت البروفيسور بجامعة هارفارد سلوك ترامب في تغريدة قال فيها "ما حدث خطوات طبيعية من رئيس مثل ترامب، أولا يعطي ضوءا أخضر للغزو التركي، ثانيا يرسل مايك بينس نائب الرئيس ووزير الخارجية مايك بومبيو لتركيا للتفاوض حول وقف إطلاق النار، وفي النهاية سيطلب الحصول على جائزة نوبل للسلام لدوره في التهدئة".

عقوبات

وتشمل العقوبات التي تعهدت واشنطن بفرضها وزارتي الدفاع والطاقة التركيتين إضافة لوزراء الطاقة والدفاع والداخلية، كما قرر ترامب وقف مفاوضات تجارية مع أنقرة حول اتفاقيات تجارية ضخمة، وتعهد بفرض 50% رسوما جمركية على واردات بلاده من الحديد التركي.

وعبر آروون لوند خبير شؤون الشرق الأوسط "سينشري فاونديشن" -في حديث مع الجزيرة نت- عن اعتقاده أن "فرض عقوبات لن يوقف تركيا، على الرغم من أن العقوبات والتشدد من قبل الولايات المتحدة والدول الأوروبية مثل مفاجأة كبيرة للقيادة التركية".

وذكر أن قرار العقوبات سيكون حاضرا بشدة في حسابات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قبل اتخاذه الخطوة التالية.

واتفق مالك مفتي أستاذ العلاقات الدولية بجامعة تافتس بولاية ماساتشوستس مع لوند، إلا أنه أكد للجزيرة نت أن "العقوبات الأميركية المقترحة سيكون لها تأثير عكسي، وسيكون هناك دور أكبر لروسيا وسيتم تدعيم علاقاتها مع تركيا".

وأستغرب لوند بشدة حجم العقوبات المقترحة التي تستهدف الدولة صاحبة ثاني أكبر جيوش حلف الناتو، وقال إنه صورة تأثرت بالفعل داخل الولايات المتحدة، لكن أن تلجأ واشنطن لفكرة فرض عقوبات على وزير الدفاع في دولة رائدة بالحلف "فهذا شيء غير مسبوق. والوضع أكثر صعوبة وتشددا من جانب الكونغرس".

الأكراد ليسوا اليمينين

وقد تركت أزمة اعتقال القس الأميركي أندرو برانسون في تركيا لأكثر من عامين قبل الإفراج عنه العام الماضي شرخا كبيرا في علاقة أنقرة بالكونغرس، وظهر ذلك واضحا في غياب أي تأييد من أعضائه لعملية "نبع السلام".

وأكد مسؤول سابق للجزيرة نت أنه كان من الصعب السكوت على عملية عسكرية تستهدف الأكراد حتى وإن كانت على يد حليف آخر وعضو بحلف الناتو، وذلك "لأن الأكراد قاتلوا بجوارنا على مدار عدة سنوات ضد تنظيم الدولة الإسلامية".

ورفض المسؤول -الذي عمل دبلوماسيا في عدد من الدول العربية- مقارنة الموقف الأميركي تجاه تركيا بالحرب في اليمن، وقال "إن اليمنيين ليسوا حلفاء لنا" ومع ذلك أصدر الكونغرس عدة تشريعات ضد السعودية والإمارات.

وأضاف أن هناك الكثير من الغضب السابق على عملية "نبع السلام" داخل الكونغرس بسبب إقدام تركيا على الحصول على منظومة الدفاع الصاروخي الروسية أس-400 وهو ما مثل تحديا كبيرا للكونغرس وللعلاقات الاستراتيجية بين الدولتين.

حسابات استراتيجية

ومع زيادة تعقد الأوضاع داخل مناطق شمال سوريا، وتركيز الإعلام الأميركي على معاناة المدنيين الأكراد، أصبح من الصعب العثور على أي جهة أميركية تدعم الموقف التركي حاليا، وقد ذكر تقرير لمجلة نيوزويك أن القادة العسكريين الأميركيين أنفسهم يفضلون أن تخضع مدينة منبج لسيطرة الروس ونظام الأسد على أن تقع تحت سيطرة تركيا.

ويختلف ديفيد ماك السفير السابق والخبير بمعهد الشرق الأوسط مع هذا الطرح، وأكد للجزيرة نت أن تركيا مازال لها علاقات وتواصل واسع مع وزارة الدفاع وأجهزة الاستخبارات الأميركية.

ومما يقلق بعض الدوائر الأميركية الفراغ الذي أحدثه الانسحاب الأميركي من شمال شرق سوريا، ويرى الخبير لوند أن الأهم هو ما يجري على الأرض شمال شرق سوريا "فروسيا تسرع لتعوض الفراغ الأميركي، وستصبح لها الكلمة الأهم هناك، وستحاول عقد صفقات لخلق واقع جديد بين تركيا والحكومة السورية والأكراد".

كما ينظر الكثير من الخبراء الاستراتيجيين الأميركيين بقلق إلى الوضع الجديد، إذ "لم تلعب أي دولة أخرى الدور المحوري الذي لعبته تركيا خلال الحرب الباردة، وأدى في النهاية لانتصار الولايات المتحدة والغرب على الاتحاد السوفياتي" كما ذكر المسؤول الأميركي السابق.

لا بديل للتحالف مع تركيا

وتدرك الدوائر الأميركية أهمية تركيا لاستراتيجية واشنطن سواء داخل حلف الناتو، أو لتأمين مصالح الولايات المتحدة في جنوب أوروبا والشرق الأوسط.

ولطالما خشيت واشنطن من أي تقارب بين أنقرة وغريمتيها موسكو أو طهران، وقد أشارت دراسة حديثة لمركز خدمة أبحاث الكونغرس إلى أهمية الوجود الأميركي العسكري داخل تركيا بوصفها عضوا رئيسيا في حالف الناتو.

وركزت الدراسة على قاعدة أنجرليك في الجنوب التركي والتي يوجد فيها تقليديا 2500 عسكري أميركي للقيام بمهام عسكرية في أفغانستان أو العراق أو سوريا.

ويرى لوند أنه وفي حالة الفوضى الحالية "قد لا تستطيع روسيا تحقيق ما تبغاه من أهداف كبيرة، لكن علينا تذكر أن الروابط والعلاقات الروسية التركية تزداد متانة على خلفية الموقف الأميركي".

ويوضح أنه يجب التمييز بين تأثير الأزمة الحالية على علاقات الدولتين، فعلى المدى القصير فقد "تأثرت بالفعل العلاقات ووصلت لمستوى متدن وحالة من التوتر غير المسبوق بين الدولتين بصورة لن يكون معها من السهل إصلاح ما تخسره هذه العلاقات".

وعلى المدى الطويل -يؤكد لوند- أن انتهاء الدعم الأميركي المباشر للقوات الكردية يعني أن أكثر العوامل المسببة للتوتر بين واشنطن وأنقرة سيتلاشى "وربما ننظر بعد سنوات قليلة على المرحلة الحالية ونقول إنها شهدت بداية جديدة إيجابية من علاقات الدولتين بسبب إنهاء الدعم الأميركي للأكراد".

من ناحية أخرى، يعتقد الكثير من خبراء الشأن التركي بالعاصمة الأميركية أنه لا يمكن لواشنطن التضحية بعلاقة التحالف الإستراتيجي مع تركيا في مواجهة النفوذ الروسي أو الإيراني المتصاعد بمنطقة شرق البحر المتوسط، إلا أنهم لا يعرفون كذلك سبيل الخروج من هذه الأزمة المتصاعدة بسرعة.

الجزيرة نت

اخبار ذات صلة