دون كلل، تحاول قيادة السلطة الفلسطينية إحداث أي خرق في جدار التسوية المتعثرة مع (إسرائيل) التي أوقفت المفاوضات مع الأولى منذ سنوات، بعد الوصول لطريق مسدود ودون إعطاء السلطة أي إنجاز على الأرض، في المقابل فإن سرطان الاستيطان لازال يستشري والأراضي التي كان من المفترض انسحاب الاحتلال منها باتت اليوم مدنا من المستوطنات.
وأمام حالة الجمود تلك تراهن السلطة على تعزيز ودفع عجلة المفاوضات من خلال الملفات الأمنية والاقتصادية وغيرها من الطرق الأخرى والتي تعتقد أنها في نهاية المطاف ستصل لإحداث تقدم في المفاوضات السياسية عبر باب تفعيل اللجان المشتركة بينها وبين الاحتلال.
وجاء اجتماع ما يسمى باللجان الفنيّة التابعة للسلطة والاحتلال الإسرائيلي، الأحد الماضي، للمرّة الأولى منذ سنوات طويلة كثمرة لإعادة الاحتلال أموال المقاصة المحتجزة منذ ثمانية أشهر على ضوء خصم مخصصات أهالي الشهداء والأسرى ورفض السلطة استلامها.
وبحسب رئيس الهيئة العامة للشؤون المدنية بالسلطة حسين الشيخ فإن إجتماع تلك اللجان بحث "كل الملفّات وتغيير الآليات والمطالبة بإعادة الحقوق الماليّة"، على حد وصفه.
وأضاف الشيخ "منذ عام 2000 وحكومة (إسرائيل) تقوم بالخصومات غير الشرعية من أموال شعبنا، ولأول مرة منذ ذلك التاريخ ستبدأ اللجان الفنية المشتركة بالاجتماع، غدًا، لبحث كل الملفات وتغيير الآليات والمطالبة بإعادة كل حقوقنا المالية".
ويعكس هذا الأمر وجود حلحلة بين الجانبين اللذين يسعى كل منهما إلى إبقاء الباب مواربا أمام الآخر في سبيل الحفاظ على الملف الأمني وتعزيز التعاون والتنسيق الأمني، كونه يحمي الطرفين ويحافظ على بقائهما.
أشكال مختلفة
ويؤكد الكاتب والمحلل السياسي مصطفى الصواف، أن السلطة تحاول الحفاظ على حبل الاتصال والتواصل مع الاحتلال ودليل ذلك استمرار اللقاءات بين الوزير حسين الشيخ ووزير مالية الاحتلال ولقاء رئيس الشاباك الصهيوني مع رئيس السلطة محمود عباس.
ويوضح الصواف في حديثه لـ"الرسالة" أن توقف مفاوضات التسوية منذ سنوات لا يعني وقف الأشكال الأخرى للتفاوض، وإحياء عمل اللجان المشتركة يعكس رغبة الطرفين في مواصلة التواصل بأشكاله المتعددة والمختلفة ولا سيما الاقتصادي والأمني.
ويضيف "جوهر أوسلو هو الملف الأمني والقضايا الاقتصادية وغيرها التي تهدف إلى دعم الجانب الأمني وتعزيزه والحفاظ عليه بأي صورة كانت"، مشددا في الوقت ذاته على أن الاحتلال نهب وسيطر على أراضي الضفة ولم يبق للسلطة شيء سوى التفاوض الأمني.
ويعتقد الكاتب والمحلل السياسي شرحبيل الغريب أن الحراك الذي تقوم به السلطة مؤخرا يفهم في إطار محاولتها إعادة إحياء مسيرة المفاوضات، وصولا إلى إعادة المسار مع الاحتلال من جديد.
وبين الغريب في حديثه لـ"الرسالة" أن تفعيل اللجان يأتي في إطار إعادة إنتاج اتفاق أوسلو من جديد لكن بأشكال وأنماط مختلفة وهذه المرة ربما الشكل الاقتصادي هو أهمها، لافتا إلى أن السلطة تحاول أن تستعيد هذا المسار رغم فشله ودون أي ضمانات أو أي نتيجة عملية على الأرض.
ويشير إلى أن الذهاب لهذا المسار يبقي السلطة الطرف الأضعف من خلال الحصول على بعض الامتيازات مقابل الرضوخ لسياسة الأمر الواقع ومحاولة الاحتلال الهيمنة على الضفة.
ويلفت إلى أنه يتوجب على السلطة التفكير في استراتيجية وطنية بدلا من الهرولة واللهث وراء خيارات ثبت فشلها الذريع ولن تحقق أي جديد، مبينا أن هذا الأمر يأتي في إطار التماهي مع ما تريده الإرادة الأمريكية في محاولتها فرض صفقة القرن.