تخلى النائب محمود الخطيب -48 عاما- عن وظيفته بعد فوزه بانتخابات المجلس التشريعي 2006 عن كتلة التغيير والإصلاح وذلك من أجل الالتحاق بعمله الجديد لخدمة المواطنين واتباعا للقانون، لكنه لم يحظ كحال غالبية زملائه في الكتلة بدخول المجلس سوى لمرات معدودة لأن أبوابه أوصدت في وجوههم بأوامر رئاسية رغم شرعيتهم.
وعلى ما يبدو فإن ضريبة الشرعية كبيرة، فمنذ فوز الخطيب بالانتخابات تعرض للاعتقال عدة مرات وقطع راتبه الذي يكفله له القانون بعدما حل رئيس السلطة محمود عباس المجلس التشريعي العام الماضي، فلم يستطع العودة لعمله السابق مما اضطره إلى استغلال محل صغير أسفل منزله لبيع الفلافل لسد احتياجات أبنائه الثمانية.
الخطيب الحاصل على ماجستير في القضاء الشرعي ومنتخب من الشعب الفلسطيني في أول انتخابات نزيهة في فلسطين، ليس الوحيد الذي قامت السلطة بقطع راتبه بل معه جميع نواب كتلة التغيير والإصلاح رغم أن غالبيتهم حاصلون على درجات الدكتوراه والماجستير وأسرى محررون وكتاب ومؤلفون.
في بيت لحم حيث يعيش النائب الخطيب، يجهز عدة الفلافل والمخللات كحال جميع من يعملون في المهنة صباحا ومساء دون أن يستاء، فقد طرق الأبواب كلها لكنه منع حتى من أن يكون خطيبا في المسجد.
يقلب الخطيب حبات الفلافل في صاجه الأسود ويقول: "تعرضنا لمضايقات الاحتلال وبعض أبناء البلد، مما اضطرنا في نهاية المطاف للعمل في بيع الفلافل (..) كل من كان يقابلنا ويتعامل معنا مصيره الاعتقال، فلم يقبل أحد التعاون معنا خشية الملاحقة".
وتابع: "قطعت رواتب نواب كتلة التغيير والإصلاح بطريقة استفزازية وغير قانونية، رغم أننا منتخبون بجدارة وبشهادة مراقبين دوليين.
وعن عمله في بيع الفلافل ذكر الخطيب أنه بعد قطع راتبه حاول البحث عن فرصة عمل، لكن وجد ضالته في المحل الذي كان يمتلكه فهو بحاجة لسد احتياجات عائلته، مشيرا إلى أنه محظوظ كونه وجد عملا بخلاف نواب آخرين يكبرونه سنا ولم يجدوا فرصة عمل بعد مجزرة قطع الرواتب غير المبررة.
وعن الإجراءات التي قام بها وزملاؤه المقطوعة رواتبهم في المجلس التشريعي، أوضح أن حرمانهم الراتب كان بقرار سياسي، مما اضطرهم إلى إدخال وسطاء لحل المشكلة ومنها قطر لكن كان جواب رئيس السلطة عباس "خليهم يدبروا حالهم ويلجؤوا للقضاء"، لافتا إلى أنه بات وغيره من المقطوعة رواتبهم محرومين من العودة إلى وظائفهم القديمة كما أن كل الأبواب أوصدت في وجوههم.
حال الخطيب أفضل من نواب آخرين مقطوعة رواتبهم ويعيشون أوضاع إنسانية قاسية، فقد حجز أحدهم مدة عشرة أيام في سجون السلطة على "خلفية شيكات راجعة" ولم يتسنّ له دفعها إثر قطع راتبه وفق ما كشفه الخطيب.
وذكر أن أحد النواب اضطر لبيع 4 دونمات من أرضه، وآخر اضطر لبيع البيض، بينما بات نواب القدس المبعدون إلى مدينة رام الله، "في وضع كارثي" بعدما تخلت السلطة عن دفع إيجار منازلهم وقطعت رواتبهم.
وردا على من يقول لهم اذهبوا إلى غزة لتمنحكم مستحقاتكم المالية يقول: "استغرب مما يقال، فهم يعتقدون أن الأموال متدفقة في غزة ويسمح بتحويلها للضفة.
وبحسب الخطيب فإنه وزملاءه بدأوا من جديد بالإجراءات القانونية والقضائية لجلب حقوقهم بالقانون، رغم أن قناعته "الرزق محسوم من عند الله" والخاسر الأكبر هو من يرى القضية من منظاره القريب لا البعيد.
نضجت فيه أقراص الفلافل ولبى الخطيب طلبات زبائنه، في وقت يعتصم العديد من المحررين المقطوعة رواتبهم في الضفة المحتلة في انتظار تلبية الوعود التي قطعتها الرئاسة قبل عام.