يسترق الإنسان أي لحظة فرح في حياته ليحتفل بها وسط عائلته ومحبيه، لاسيما في زحام الحياة التي باتت ترهقنا، فكيف لو كان شخصا ليس عاديا كمعتقل في سجون الاحتلال وأمضى 40 عاما من عمره متنقلا بين الزنازين.. لا يعرف أي الأيام التي يعيش هي ذكرى مولده، كحال بطل حكايتنا "نائل البرغوثي" الذي أتم الـ 62 عاما في "عزل إيشل – بئر السبع".
في عمر التاسعة عشر، اعتقلته قوات الاحتلال الإسرائيلي في إبريل 1987 من قرية كوبر شمالي رام الله بالضفة المحتلة، وكانت تهمته قتل أحد جنودها لتحكم عليه بالسجن المؤبد، أمضى 34 عاما متنقلا بين المعتقلات (الإسرائيلية) حتى أفرج عنه ضمن صفقة وفاء الأحرار أكتوبر 2011.
تنسم نائل الحرية ثلاثة أعوام عاشها وكأنه ولد من جديد لكن دون والديه "صالح وفرحة" اللذين توفيا وهو في الأسر، لم يبق من رائحتهما سوى شجرة الليمون التي زرعها والداه في حديقة المنزل وأطلقا عليها اسم "نائل".
البرغوثي الذي يعتبر أقدم أسير سياسي في العالم، تزوج بعد خروجه من السجن من المحررة "إيمان نافع" عاشا 31 شهرا تحت سقف واحد، ففي كل عام تحتفل زوجة البرغوتي بذكرى ميلاد نائل على طريقتها.
تحكي لـ"الرسالة نت" أنها احتفلت بزوجها للمرة الأولى بعد مضي عام واحد على صفقة الأحرار أي في الثامن عشر من أكتوبر 2012 باعتباره يوم حرية وسط جموع من عائلته وعاشا فرحة كبيرة.
وتسترسل بحكايتهما أنها احتفلت وزوجها بعيد ميلاده مرتين فقط، وكانت تجلب له الهدايا التي تبهج قلبه، فهو لم يعتد أن يحتفل أحد بذكرى مولده، وكان كثيرا ما ينسى بأي يوم يعيش بسبب كثرة تنقله في الزنازين.
بعد اعتقال زوجها "نائل" حكم عليه بالسجن 30 شهرا، لكنه فوجئ بعد انتهائها بقرار (إسرائيلي) يعيده إلى حكم المؤبد.
ولأن "نائل" أحب طريقة الاحتفال بيوم مولده، سألت "الرسالة" زوجه، عن تهنئتها له بعد اعتقاله لترد بصوتها القوي: "سأروي لكم ما فعلته قبل عامين، فقد تزامن موعد زيارتي لنائل مع ذكرى ميلاده، حتى اتفقت مع زوجات وأمهات الأسرى وحتى أطفالهم بمعايدته من وراء الزجاج "كل عام وأنت بخير" وذلك في الدقيقة الأخيرة من الزيارة كي لا يحرمنا جنود الاحتلال الزيارة بطردنا".
وتابعت بنبرة المنتصر على السجان: "بمجرد أن بدأنا بمعايدته أدمعت عيناه فرحا واجتمع الأسرى من حوله واحتضنوه وعايدوه"، مؤكدة أن ما فعلته يعتبر انتصارا حقيقيا.
وعن يوم ميلاده العام الماضي، تروي أنه قضاه في أحد زنازين معتقل "هداريم" بسبب حصوله على لقب "رجل عام 2018" وفق إحدى الصحف اللبنانية الأمر الذي استفز الاحتلال ليعاقبه بالعزل الانفرادي.
واليوم أتم نائل عامه الثاني والستين تزامنا مع مضي أربعين عاما له داخل زنازين الاحتلال، ومع ذلك فإن زوجه المحررة "إيمان" لم تتوان ولو لمرة عن معايدته فقد أبرقت له برسالة عبر البريد تقول له فيها "ستنعم قريبا بالحرية وسنحتفل معا".