دير البلح - ديانا طبيل
لسنوات مضت كانت البلاغة تقول أن النخلة كالمرأة التي تجمع بين الشموخ والتواضع وأصالة المنبت وبركة العطاء وعلو المكانة، لذا تتزين مدينة دير البلح في محافظة الوسطي بعناقيدها الياقوتية التي تأسر الأنظار، وكأن جيشاً من الكنعانيين يعتمرون قباب النخيل يقفون في وجه الزيف والتحريف ليسطروا في كتب التاريخ بأحرف من نور وذهب بأن هذه الأرض بأشجارها وثمارها وفلاحيها فلسطينية.
السير في المناطق الزراعية ذات الهواء العليل تشعل جذوة الحنين والشوق عند الإنسان لأرضه ولوطنه المسلوب، الحاج أبو سمير شاهين المهجر من جبل القدس ويعيش الآن في منطقة البركة جنوب دير البلح والتي تزينها أشجار النخيل يعتبر مهنة "زراعة النخيل" في غاية السهولة للمواطن الذي يتعامل مع النخلة كانسان، فهناك من يلد منها " النخلة" كالمرأة تماماً أطفالا ( أشتالاً ) صغيرة نأخذها ونزرعها بجانب النخلة الأم التي تلد أكثر من عشرين مرة، وأخرى لا تلد مثل "المرأة العاقر" .
بدأ أبو سمير مشوار حياته مع النخيل منذ كان طفلاً حيث كان يعتني به أهله كما يعتنون بالنخيل، فتعلم سر المهنة من أبيه ، ومع الزمن أصبح لا يطيق الحياة بدون النخل، لأنها تذكره بأبيه وأمه وجده . على حد قوله.
للنخيل قصة وطقوس لا يعرفها إلا الفلاح إذا تبدأ زراعة الاشتال في بداية شهر نوفمبر وتتواصل العناية بها من سقى وتسميد حتى شهر ابريل، حيث يتم تلقيح النخلة الأنثى من النخل الذكر وبعدها تبدأ الثمار في النضوج، وفى هذه المرحلة نتأكد من وصول الهواء والشمس لجميع الثمرات. وفي شهر أغسطس يتم الصعود إلى قمة الشجرة وربط " القنوا " حتى لا ينكسر و يقع من ثقل الحمل، في حين يتم جني البلح في شهر أكتوبر، لأن ثماره تكون حلوة وكبيرة، حيث تبدأ عملية القطف عن طريق ربط الحبال وغرسها في الأرض ومن ثم الصعود لأعلى الشجرة لإنزال ( القنوا) بسلاسة وبزاوية حادة إلى الأرض حيث السيدات اللواتي يعملن في فرز الحبات السليمة والمعطوبة .
ومن المعروف أن موسم البلح موسم البركة التي لا يتوقها المزارعون، فالمحصول دائما في زيادة وأسعاره في ارتفاع حتى أصبحت تضاهي الجهد والتعب الذي يلاقيه مزارعوه طيلة العام، فهناك بعض أنواع من النخيل يطرح 700 كيلو سنويا وهناك يطرح فقط 100 كيلو، وهذا عائد إلى نوع النخلة فهناك " الأحمر الحيانى ، والأصفر المخدد، وبنت العيش و"أصبع العروس" وهذا النوع بالتحديد يجنى بعد الموسم .
ومن غرائب النخل أنه يعيش ويعمر طويلاً في الأرض، لذا فهي تشبه الإنسان في مراحل نموه، حيث يولد طفلاً صغيرا ثم يصبح شابا بعد تلقيه الرعاية المكثفة ثم يحمل بعض الثمار وكأنه شاب في بداية عمله لا يجنى إلا القليل، ثم يسير رجلاً ناضجاً تملأ أغصانه الثمار الناضجة ثم يبدأ مرحلة جديدة من عمره وهى مرحلة الكبر والتي يزيد فيها البلح حلاوة وإنتاجا وأخيرا مرحلة الهرم فيبدأ بالانحناء دلالة على طول العمر ثم فجأة تسقط النخلة كاملة وهنا يكون موتها .