جاهدة؛ تسعى سلطات الاحتلال (الإسرائيلي) لتغيير معالم وهوية المدينة المقدسة بشتى الوسائل والأساليب المختلفة، فتتخذ من هدم مئات المنازل ومصادرة آلاف الدونمات وإغلاق مختلف المؤسسات، وسيلة من أجل الوصول لغايتها بإحكام السيطرة ووضع يدها على تفاصيل مدينة القدس.
وأغلقت قوات الاحتلال منذ بداية هذا الشهر 4 مؤسسات فلسطينية من ضمنها مؤسسة إعلامية، في مؤشر على مضي (إسرائيل) في سياسة إنهاء وجود وعمل المؤسسات الفلسطينية، وتقييد عمل الشخصيات الفلسطينية في المدينة، ومنع أي مظاهر سيادة فلسطينية ولو بالحد الأدنى تكريسًا لسعي فرض السيادة الإسرائيلية على المدينة.
ولم يتوقف الأمر لهذا الحد فقد سبقه هدم مئات المنازل، وبحسب مركز المعلومات (الإسرائيلي) لحقوق الإنسان بالأراضي المحتلة (بتسيلم) هدمت البلدية الإسرائيلية في القدس 165 منزلا في شرق المدينة منذ مطلع العام 2019، بذريعة البناء دون التراخيص ما تسبب بتشريد العشرات من السكان.
انتهاكات متنوعة
فيما يواصل الاحتلال فرض القيود على سكان المدينة المقدسة والتي تهدف إلى إجبارهم على الرحيل وتركها في ظل محاولات التضييق المستمرة عليهم، وأصدرت سلطات الإسرائيلية خلال نوفمبر المنصرم 7 قرارات بالإبعاد عن المسجد الأقصى، أو بلدات القدس وأماكن محددة فيها.
وتنتهج هذه السياسة لإبعاد الشخصيات الفلسطينية الفاعلة والمؤثرة سواء في المسجد الأقصى أو المدينة المحتلة، ضمن محاربتها الوجود الفلسطيني.
وأظهرت معطيات نشرها المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، استمرار انتهاكات الاحتلال بالقدس خلال نوفمبر الماضي، وسط تسارع محاولتها لإنهاء الوجود الفلسطيني وتغيير طابع المدينة وهويتها عبر إغلاق المؤسسات ومصادرة الأراضي وتهجير السكان.
وقال الأورومتوسطي -ومقرّه جنيف- في تقريره الشهري الذي يرصد الانتهاكات (الإسرائيلية) في مدينة القدس: إنّ قوات الاحتلال ارتكبت 400 انتهاك في القدس موزعة على 18 نمطًا من انتهاكات حقوق الإنسان.
ووثق التقرير تنفيذ الاحتلال 103 عمليات اقتحام لبلدات وأحياء القدس، تخللها اعتقال 78 مواطنًا منهم 12 طفلا، وامرأة، ووزير القدس، ومحافظها، ومدير مديرية التربية والتعليم، ووثق استدعاء 11 شخصًا.
وفرض الحبس المنزلي على 8 مواطنين على الأقل، منهم أطفال وفرض عليهم غرامات مالية.
ورصد التقرير 20 حالة هدم وتوزيع إخطارات لمنازل المواطنين وممتلكاتهم في القدس المحتلة، ترتب عليها هدم 9 منازل ومساكن، أحدها أجبر مالكه على هدمه ذاتيا، لتجنب دفع غرامات باهظة الثمن، ما أدى لتشريد عشرات المواطنين، و6 حظائر وبركسات، إلى جانب إخطار 10 منشآت بالهدم.
وتأتي عمليات الهدم، وفق المرصد الأورمتوسطي، التي تنفذها قوات الاحتلال جزءًا من سياسة ممنهجة؛ لتهجير الفلسطينيين قسراً، بهدف تغيير الطابع الديمغرافي في المدينة؛ وترقى مثل هذه الأعمال إلى جريمة حرب.
ووثق التقرير 4 أوامر مصادرة أصدرها الاحتلال استولى بموجبها على 790 دونمًا من القدس، لأغراض متعلقة بالجدار الفاصل والطرق الاستيطانية، وجاءت ضمن حملة مصادرة واسعة في الضفة طالت 6850 دونمًا.
ورصد التقرير قرارين (إسرائيليين) يتعلقان بالتصديق على خطة القطار الهوائي في القدس، وإقامة 11 ألف وحدة سكنية ضمن حي استيطاني جديد على أراضي مطار قلنديا المهجور لتوسيع مستوطنة "عطروت" شمال القدس.
تغيير شامل
ويؤكد الخبير في شؤون مدينة القدس الأكاديمي جمال عمرو، أن المدينة تتعرض لعملية واسعة النطاق هدفها احداث تغيير شامل لجوهر القدس وأحيائها، لا سيما وأن سلطات الاحتلال تسعى لتغيير حتى أدق التفاصيل في المدينة.
ويوضح عمرو في حديثه لـ"الرسالة نت" أن المدينة وأحيائها نالها الحظ الأوفر من الهجوم، لاسيما وأن الاحتلال يتصرف بأنها ملكه فيمارس سياسة الهدم والمصادرة والاعتقال والملاحقة وإغلاق المؤسسات وفرض سياسات جديدة.
وبيَن أن عملية التهويد وتغيير المعالم أضحى ينفذ على العلن وفي وضح النهار، من خلال إنشاء الانفاق والجسور والاستيطان والمصادرة وصولا لإغلاق المؤسسات التعليمية والمدنية وملاحقة شيوخ وخطباء المسجد الأقصى.
ويشدد عمرو على أن الاحتلال طبق نظريته القائلة لا قيمة لـ(إسرائيل) دون القدس ولا قيمة للقدس دون المسجد الأقصى، بعد أن كان يخفي أهدافه منذ سبعينيات القرن الماضي ويعتمد سياسية التدرج في السيطرة على المدينة وفق الظرف السياسي والانشغال العالمي والدولي.
ويضيف أن الاحتلال يعتبر الظرف الحالي فرصة كبيرة لتنفيذ مخططاته في ظل حالة التراجع العربي وقلة التضامن وضعف القيادة الفلسطينية وغياب خياراتها وانشغالها بالقضايا الحياتية للمواطنين بعيدا عن المسائل الجوهرية ثوابت القضية الفلسطينية.
ولفت إلى أن منح الإدارة الأمريكية والاعتراف بأن القدس عاصمة (إسرائيل) من خلال وعد بلفور 2 أعطى مساحة منقطعة النظير للاحتلال بتصعيد اجراءاته ضد المدينة المقدسة وممارسة السرقة والتهويد والتزوير والسيطرة.