غزة - مها شهوان – الرسالة نت
"عفوا سيدي القاضي لم اقصد قتل زميلي" بتلك الكلمات تحدث الطالب عمر (12 عاما)، مرتبكا ومنهارا، لقاضي المحكمة لعدم استيعابه ما حدث معه، فمشهد الدم الذي نزف من رأس زميله الذي يشاركه المقعد في الفصل لم يفارق مخيلته.
تفاصيل الحكاية دارت في إحدى الفصول الدراسية بمدارس شمال القطاع حيث وقع الشجار بين الطفلين كرم وعمر اللذين لم يتجاوزا الثانية عشرة من عمريها حينما أصاب كرم زميله عمر برجله غير قاصد إيلامه.
وبالرغم من اعتذار كرم لزميله إلا أنه بقي طيلة الوقت يتوعد له بسداد ضربته حتى دق جرس العودة للبيت. سارع عمر إلى باب المدرسة منتظرا خروج كرم الذي ما أن اقترب منه أوقعه أرضا ليرتطم رأسه بحافة الرصيف حتى نزفت منه الدماء وعلى إثرها فارق الحياة.
رجال الشرطة اخذوا عمر وتم التحقيق معه وهو في حالة انهيار وخوف شديد لعدم إدراكه للموقف، فقد أكد للشرطة والمحكمة بأنه لم يقصد قتل زميله ولم يعلم أن الأمور ستؤول إلى ارتكاب جريمة.
تلك الحكاية كانت من إحدى ملفات القضاء التي رواها قاضي محكمة بداية غزة أشرف فارس، مبينا أنه تم معاقبة الطفل بالسجن لمدة ثلاثة شهور في مركز الربيع للإصلاح والتأهيل لأنه تم التعامل معه كحدث بالإضافة إلى أنه تم تخفيف الحكم عن الطفل لوقوع المصالحة التي تمت بين ذوي الطفلين.
مجرمي الأحداث
وقال القاضي أشرف فارس:" فيما يتعلق بجرائم الأحداث يعفى الأطفال ما دون سن الـ 12 تماما من المسئولية الجنائية مهما ارتكبوا من جرم حتى وإن كان الفعل يمثل جريمة يعاقب عليها القانون"، مضيفا أنه في حال شعر القاضي أن الأطفال ما بين 9 و 12 سنة يدركون نتيجة كل فعل يرتكبونه كالقتل مثلا سيحاسبون ويساءلون جنائيا ويعاقبون وتتم محاكمتهم عبر محكمة مجرمي الأحداث حسب قانون مجرمي الأحداث.
أما فيما يتعلق بالأطفال الذين هم ما بين 12 و 18 عاما فيتعامل معهم القانون وفق قانون مجرمي الأحداث حينما يعتدون على الآخرين ويتسببون لهم بالأذى.
وحول عقوبة مجرمي الأحداث حسب القانون الفلسطيني أوضح القاضي فارس أنها تتم إما من خلال الربط بكفالة حسن سير وسلوك من ولي الأمر أو إيداعهم في مؤسسة الربيع التي تتكفل برعايتهم.
ومن جهة أخرى ذكر الأخصائي الاجتماعي درداح الشاعر أنه من الضروري أن تقدم مؤسسات التأهيل والإصلاح للأطفال الخدمات المبرمجة التي تساعد الأبناء على التكيف داخل المجتمع ليعودوا أطفالا أسوياء وصالحين.
وحول مدى تأثر الوضع النفسي والاجتماعي للأطفال داخل مؤسسات الإصلاح أوضح أن الطفل يعتبر نفسه خارجا عن الحياة الاجتماعية فقد يواجه العديد من المشكلات كعدم التوافق الاجتماعي والتكيف داخل المؤسسة.
وأشار إلى اكتساب الأطفال بعض السلوكيات السيئة من زملائهم في حالة كانت الرقابة مغيبة من قبل المؤسسة، مبينا في الوقت ذاته أنه في حال عدم قدرة المؤسسة على القيام بدورها المنوط بها ستتحول لبؤرة من الفساد.
وأشار الشاعر إلى أن بعد الطفل عن أسرته يؤثر على نفسيته ويقلل من سلوكياته الايجابية التي تتطلع إليها الأسرة.
وفي ختام حديثه لـ"الرسالة نت" قال :"يمكن للأطفال الأحداث الاستفادة أثناء تواجدهم بمؤسسات الإصلاح من خلال استفادتهم من التدريب المهني والتربوي الذي يساعدهم على النمو الاجتماعي"، موضحاً أن الطفل حينما يخرج من المؤسسة يكون تفكيره متبلورا مما يجعله يتكيف مع المجتمع بصورة أسرع دون أية مشكلات.
الدور الذي تلعبه مؤسسات المجتمع التي تعنى بالطفل وحمايته من الوقوع في براثن الانحراف ومن ثم الجريمة خاصة أن الطفل الفلسطيني له خصوصية خاصة ينفرد بها عن كافة الأطفال على مستوى العالم، بسبب ظروف الاحتلال والظروف الأخرى المحيطة به، هي الكفيلة بالحد من ظاهرة جنوح الأحداث.