يثير تناقض قيادة السلطة الفلسطينية حول موقفها من المساعدات الأمريكية حالة من الغرابة، ففي الوقت الذي تتلقى فيه السلطة وأجهزتها الأمنية مئات ملايين الدولارات كدعم ومشاريع اقتصادية في الضفة، ترفض أن تصل أي من تلك المساعدات قطاع غزة رغم أنها مقدمة من منظمات غير حكومية.
وفي التفاصيل، فإن رئيس السلطة محمود عباس قال، إنه لن يسمح للمستشفى الأمريكي في قطاع غزة بدأت المعدات والأفراد إلى موقعه وغيره من المشاريع بأن تمر، هذا إلى جانب قرارات أخرى لمجموعة مشاريع اقتصادية وغيرها ومنها جزيرة اصطناعية للميناء، ومطار.
ويظهر تناقض المواقف هذا في تلقي السلطة لأكثر من 500 مليون دولار كمساعدات أمريكية سنوية، عدا عن المشاريع الاقتصادية، والدعم المالي الأمريكي المنفصل والمخصص لأجهزة أمن السلطة والذي يقّدر سنويا، بـ 60 مليون شيكل، فيما تشّن هجوما حادا على المستشفى الميداني الأمريكي الذي يجري إقامته لتقديم خدمات صحية لمرضى قطاع غزة.
ويمكن قراءة هذا التناقض، في أن عباس وسلطته ترغب في إبقاء الحصار (الإسرائيلي) على قطاع غزة والاستمرار في سياسة خنق المواطنين فيه، في الوقت الذي تحرم فيه السلطة مرضى القطاع من التحويلات الطبية وتمنع عن القطاع الدواء والعلاج، بذريعة أن تلك المشاريع التي جاءت في إطار تفاهمات التهدئة التي توصلت إليها المقاومة مع الاحتلال، تأتي في إطار صفقة القرن!
نوع من المناكفة
ويعتقد الكاتب والمحلل السياسي مصطفى الصواف، أن حالة التناقض تلك ليست على إقامة المستشفى أو المشاريع الأمريكية بقدر ما هي نوع من المناكفة السياسية التي تريدها السلطة في الوقت الذي من المفترض أن تكون فيه الأجواء إيجابية وسط الحديث عن انتخابات فلسطينية.
ويوضح الصواف في حديثه لـ"الرسالة" أن انتقاد السلطة لهذا الأمر يأتي رغم أنها تتلقى الدعم الأمريكي منذ عشرات السنوات وعباس نفسه غارق لأذنيه في المساعدات الأمريكية، ولا تزال أجهزته الأمنية تتلقى كل مصاريفها من الإدارة الأمريكية لممارسة دورها في التعاون مع الاحتلال الإسرائيلي.
ويلفت إلى أن الخلاف ليس على إقامة المستشفى الأمريكي والدعم لغزة بقدر ما هو على توافق حماس والفصائل مع إدارة المستشفى على إقامته ليقدم عملا خدماتيا انسانيا لا يحمل أي أهداف سياسية.
استهانة واستخفاف
ويرى الكاتب والمختص في الشأن الإسرائيلي محمود مرداوي، أن موضوع المستشفى الامريكي وطريقة توظيفه أدخل الحالة الوطنية الفلسطينية تحت الاختبار والنتيجة سيئة جدا للأسف، معتبرا ذلك استغفالا للناس واستهانة بعقولهم بهذا القدر من الفظاظة والسطحية والمراهنة على التوظيف السياسي من السلطة التي هي سبب العوز والحاجة.
ويتابع مرداوي في مقال له قائلا: "عندما فرضت السلطة العقوبات على القطاع وقطعت كل ما يمت بصلة لاستمرار الحياة الإنسانية في قطاع غزة يعتبر معيبا ولن يؤدي لنتيجة، فهل من المروءة أن تقطع الدواء والغذاء ثم تشترط كيف يحصل المرضى والمحاصرون على البدائل؟".
ويتساءل "التنسيق مع ال CIA وتوقيع 128 اتفاقية لمكافحة للإرهاب ما شاء الله وفتح المعسكرات في أريحا ل CIA والمارينز لتدريب الفلسطينيين لمنع المقاومة وصناعة الفلسطيني الجديد المذعن على عين دايتون حلال، بينما مؤسسة أمريكية تسعى لتقديم مساعدة إنسانية يعتبر استسلاماً للإرادة الأمريكية واعتبارها قاعدة عسكرية، وقيل ما لم يقل بالتنسيق الأمني المقدس!