عند الحديث عن حي العجمي اليافاوي وطريقة التهويد التدريجية التي طالت العائلات هناك، تستوقفك عائلة السقا التي هجرت من يافا وفق مخطط تهجيري لكل الأسر التي تنتمي للعائلة منذ عام 48 والذي لم يتوقف حتى اليوم، فقد هجرت آخر أسرة في عام 2018 ، حينما طردت شركة إسكان (إسرائيلية) عائلة إبراهيم السقا من بيتهم القديم في حي العجمي، العام الماضي وذلك بحجة امتلاكها المنزل.
ولحي العجمي العريق أهمية كبيرة، فهو الحي الوحيد القديم المتبقي من يافا التاريخية، بعد هدم الأحياء القديمة مثل حي المنشية وهريش ورشيد، والنزهة، بل إن 70% من يافا القديمة قد هدمت، ويبدو أن (إسرائيل) استدركت أن هذه الأحياء العريقة هي التجارة السياحية الأكثر ربحا، لذا أبقت على حي العجمي ببيوته الأثرية القديمة، ووحولته إلى منطقة سياحية، وبيوته إلى منتجعات وفنادق.
في جنوب غرب مدينة يافا يرقد حي العجمي التاريخي، وقد بقي فيها من بقي من الفلسطينيين وهاجر أغلب سكانه في نكبة ال48 وكان هو التطور العربي الراقد كندبة مجروحة بين عائلات يهودية مستعمرة تحيطه.
ترتفع أسعار البيوت في مدينة يافا وخاصة في العجمي المطل على الميناء التاريخي، ولقد كان صورة للتطور ما قبل النكبة، بسبب قربه من شاطئ البحر، كان حلما لأغنياء يافا، ومن يملك المال يملك أجمل المنازل وأعرقها هناك.
وفي شمال الحي، يمكنك أن تجاور الميناء التاريخي الذي بني من أكثر من أربعة ألاف عام، بوابة فلسطين عبر العصور التاريخية المختلفة، وهناك في الأزقة المختلفة يمكنك أن ترى أفواج السياح وهم يتحسسون جدران البيوت المقدسية بأحجارها العتيقة، والتي ما زالت تخبئ خلفها روائح الطبخ الموضوع على الموائد كما تركه أصحابه هربا من بطش الحركات الصهيونية.
وإذا كنت فلسطينيا من عائلة السقا وتحمل جنسية أوربية أو أمريكية يمكنك أن تزور يافا وتدفع مقابل استئجار بيت أجدادك، 60 دولار في الليلة الواحدة، هو البيت ذاته الذي سرق من جدك قبل سبعين عاما، وربما رأيت جدك يحتسي القهوة على الشرفة المطلة على شاطئ البحر في انتظارك!!
مفارقة ساخرة! فقبل سبعين عاما استولت العصابات الصهيونية على البيوت اليافاوية العريقة في حي العجمي، وطردت أصحابها منها، ولتشرعن السرقة، اخترعت ما يسمى قانون أملاك الغائبين، لتصادر أملاك عائلات لم تغب يوما، ثم لتقنع العالم بأنها لم تطردهم، بل غابوا من تلقاء أنفسهم، ولماذا شرعت (إسرائيل) هذا القانون؟ لكثرة البيوت التي تدعي أنها باتت مهجورة!
خلال السنوات العشر الأولى للاحتلال، أجرت السلطات المحتلة أكثر 244 بيتا في القدس ويافا وعكا، حققت منها أرباحا فاقت الـ11 مليون ليرة إسرائيلية.
وتقضي الخطة (الإسرائيلية) بأن يبدأ الاستيطان بالتأجير لليهود فقط، فحسب شهادات عرب الداخل المحتل، فإن شركات الإيجار تماطل بالموافقة على تأجير العرب، بينما تؤجر مباشرة للمستوطنين الذين يتولون بدورهم بيعها رسميا لشركات إسرائيلية، وهكذا تنقل الملكية المسروقة.
ويساعد (صندوق أراضي إسرائيل) إحدى المنظمات التي تدعم هذه السياسة، اليهود في شراء عقارات في (إسرائيل) والضفة الغربية بهدف “ضمان أن تبقى (أرض إسرائيل) بين أيدي الشعب اليهودي إلى الأبد، ودعما للتوسع الديمغرافي الهاجس الأول الذي يسعى الاحتلال للسيطرة عليه.
وهكذا حول الاستيطان البيوت في حي العجمي إلى متاحف، أو مزارات للسياح، مرفق بغرف نوم وإقامة لتأجيرها بالليلة، مثل بيت عائلة السقا الذي عثرت على صورته أثناء بحثي عن بعض صور معروضة في أحد مواقع الايجار باللغة العبرية مع بعض التجديدات التي قام بها سارقو المنزل على غرفه وجدرانه، والملفت للنظر أنك حينما تبحث عن موضوعات أو كتابات تتناول الأمر لن تجد تفاصيل باللغة العربية تعينك على الكتابة في الأغلب!
فمن المعروف عن (إسرائيل) أنها تنهب بصمت، تبدأ مشاريعها بصمت، تبيع، وتؤجر بصمت، وتمنع أي وصول إعلامي لموقع ارتكاب جرائمها.