شهدت الساحة الدولية مؤخرا عدة تطورات من المرجح أن تسهم في تحسين المكانة الدولية للكيان الصهيوني والتعزيز من قدرة قيادته على المناورة وتوفير بيئة أفضل لتحسين فرص تحقيق مصالحه.
ولعل أكثر ما يمثل هذه التطورات هو فوز حزب المحافظين برئاسة بوريس جونسون في الانتخابات التشريعية البريطانية وسقوط حكم الرئيس البوليفي السابق أيفو موراليس.
فلم يكن من المستهجن أن يخرج قادة الكيان الصهيوني ورؤساء الأحزاب فيه عن طورهم وهم يحتفون بفوز حزب المحافظين البريطاني بزعامة بوريس جونسون؛ حيث أن هذا الفوز لم يسهم فقط في تلافي سيناريو الرعب الذي توقعه الصهاينة في حال فاز منافسه زعيم حزب العمال جيرمي كوربن؛ بل هم يراهنون أيضا على أن يمهد صعود جونسون الطريق أمام اتخاذ الحكومة البريطانية القادمة سلسلة من الخطوات التي تحسن بشكل جذري المكانة الدولية لـ(إسرائيل) وتقلص بعض المخاطر الجدية التي تتهددها.
فقد سبق أن تعهد حزب المحافظين خلال الحملة الانتخابية بسن قانون يقلص هامش المناورة أمام حركة المقاطعة الدولية التي تطالب بفرض عقوبات على الكيان الصهيوني بسبب جرائمه ضد الشعب الفلسطيني.
وحسب تعهدات الحزب، سيتبنى القانون المرتقب التعريف الصهيوني لـ مصطلح "معاداة السامية"، بحيث أن أي انتقاد لسياسات الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني سينظر إليها على أساس أنها سلوك لاسامي، يتوجب معاقبة من يقدم عليه.
وتتوقع (تل أبيب) أن تلعب بريطانيا دورا فاعلا في فرملة التحركات التي تقدم عليها بعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، والهادفة إلى الدفع نحو تبني مبادرات سياسية تتعارض مع مواقف الحكومة الصهيونية، سيما على صعيد المبادرات التي تطرح في مواجهة الخطوات التي أقدمت عليها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والتي تتبنى بشكل مطلق مواقف اليمين الصهيوني المتطرف.
في الوقت ذاته، يراهن الصهاينة على صعود جونسون في توسيع دائرة الشراكات مع بريطانيا في الكثير من المجالات؛ مع الأخذ بعين الاعتبار أن إدارة ترامب تشجع التعاون البريطاني (الإسرائيلي).
وعلى الرغم من أن دور بوليفيا المحدود في الساحة الدولية، فإن سقوط حكم الرئيس اليساري موراليس فيها وصعود حكومة يمينية أحدث تحولا على سياسات هذه الدولة اللاتينية تجاه (إسرائيل). فقد قطع موراليس العلاقات الدبلوماسية مع الكيان الصهيوني في أعقاب الحرب التي شنتها على قطاع غزة في 2008 وألزم كل من يحمل الجواز الإسرائيلي بالحصول على تأشيرة دخول قبل السفر إلى بوليفيا. ولكن جانين أنييز، التي خلفت موراليس في الرئاسة أقدمت فور توليها منصبها الجديد على استئناف العلاقات مع الكيان الصهيوني وأعفت الإسرائيليين من الحصول على تأشيرة الدخول.
لكن ما حصل في بريطانيا وبوليفيا يمثل عينة فقط من تحولات سياسية في كل من أوروبا وأمريكا اللاتينية ومناطق أخرى بعد صعود اليمين فيها. ففي أوروبا بات الكيان الصهيوني يحظى بعلاقات مميزة مع دول أوروبا الشرقية بعد صعود اليمين للحكم فيها؛ حيث أن هذه الدول باتت تقوم تسند الموقف الصهيوني في محافل الاتحاد الأوروبي.
ولا حاجة للتذكير بطابع الشراكات الاستراتيجية التي تربط الكيان الصهيوني بكل من قبرص واليونان، سيما على صعيد الشراكات في مجال الطاقة والتحالف غير المعلن ضد تركيا.
أما في أمريكا اللاتينية، فإن أهم تطور حدث تمثل في صعود الرئيس يئير بولسينارو، الذي ينتمي للتيار الإنجيلي، للحكم في البرازيل، ما أحدث تحولا هائلا على المواقف البرازيلية من الصراع. فقد عزز بولسنارو العلاقات مع (تل أبيب) بشكل جذري، كما تعهد بنقل السفارة الى القدس المحتلة.
وفي أعقاب ذلك قامت غواتيمالا بنقل السفارة إلى القدس المحتلة، وقامت بإدراج حزب الله ضمن التنظيمات الإرهابية بناء على رغبة (إسرائيل). ولا تقل هندوراس حماسا في إسناد المواقف الصهيوني وتبني أجندة حكومة اليمين في (تل أبيب).
ولا حاجة بالطبع للحديث عن تداعيات صعود اليمين المتطرف بقيادة نيردندا مودي في الهند، والذي نقل العلاقات مع (تل أبيب) إلى مربع متقدم جدا.
إن أحد أهم الأسباب التي وفرت بيئة ساعدت على تهافت نظم الحكم اليمينية الجديدة على تعزيز علاقاتها مع الكيان الصهيوني يتمثل في الموقف الرسمي العربي، حيث أن هذا الموقف شجع على هذا التوجه. فعندما تقدم بعض الحكومات العربية على تطبيع علاقاتها مع الكيان الصهيوني، على الرغم من سياساته العدائية ضد الشعب الفلسطيني، ورغم تبنيه مواقف بالغة التطرف من الصراع، فلا يمكن توجيه اللوم للدول التي صعد فيها اليمين.