كشفت شعبة الذهب بالغرفة التجارية المصرية، عن غلق 30% من مصانع وورش تصنيع الذهب، خلال عام 2019، وتراجع معدلات الشراء 20%، نتيجة ارتفاع أسعار بيع الذهب، في الوقت الذي يعاني فيه السوق المصري من نقص حاد في السيولة.
وأكدت الشعبة، في تقريرها السنوي لعام 2019، غلق 30% من ورش ومصانع المشغولات الذهبية المتوسطة والصغيرة أبوابها، نتيجة ضعف الإقبال على الشراء، ووجود أزمة في السيولة، وارتفاع أسعار الذهب عالميا، وهو ما كان له تأثير على سوق المصري، حيث تراجعت معدلات الشراء بما نسبته 20% عن العام السابق.
وبدأت الشعبة سلسلة من الإجراءات التحفيزية، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في سوق الذهب، حيث قررت تنظيم أول مهرجان لتسويق الذهب بمصر مطلع 2020، وتقديم تخفيضات كبيرة على المشغولات المعروضة، وخاصة التي يتم تصنيعها محليا، كمحاولة لجذب المشترين بالتزامن مع أعياد رأس السنة الميلادية، وأعياد المسيحيين.
وحسب سياسيين واقتصاديين وتجار، تحدثوا لـ "عربي21"، فإن "الذهب لم يعد الملاذ الآمن للمصريين، يستخدموه وقت الشدة، بعد أن تعرضوا لعمليات إفقار متواصلة على يد نظام الانقلاب العسكري برئاسة عبد الفتاح السيسي، ما أدى لتراجع نصيب الفرد في الإنفاق العام من 300 دولار شهريا عام 2015، إلى 230 دولار شهريا عام 2018".
"مصريون بلا نقود"
ويؤكد تاجر الذهب، عبد الله الحوفي لـ "عربي21"، أن "المصريين لم يعد لديهم نقود يشترون بها الذهب، حتى لو كان من باب الادخار، كما أن المبيعات الموسمية المتعلقة بالأعياد وعيد الأم والخطوبة، شهدت هي الأخرى تراجعا عاما سواء في معدلات البيع نفسه، أو نسب الشراء".
ويشير الحوفي، الذي يمتلك متجرا للذهب بوسط القاهرة، إلى أنه "في الوقت الذي قلص فيه استثماراته بنسبة 50% عن الأعوام الثلاثة الماضية، قام تجار آخرون بغلق متاجرهم وتغيير النشاط للتجارة في أجهزة المحمول، والأجهزة المنزلية، باعتبارها الأكثر رواجا حتى لو كانت الأقل مكسبا".
وحسب الحوفي، فإن المواطن الذي كان لديه مبلغ 10 آلاف جنيه، قبل تحرير سعر الصرف في 2016، بما يعادل وقتها 1350 دولار، كان يمكنه شراء 40 جرام ذهب عيار 21، حيث كان سعره 260 جنيها، (33 دولار، بسعر صرف 2015)، بينما نفس المبلغ الآن يبلغ وفقا لسعر الصرف (625 دولار)، وهو ما يُمَكِنه من شراء 14 جرام ذهب عيار 21، بعد أن وصل سعره الآن، 667 جنيها، (42 دولار).
ويؤكد الحوفي أن "دخل المواطن لم يزد، وبالتالي فإنه يشتري بنفس المبلغ الذي كان لديه في 2015، ولكنه لم يعد يشتري بنفس المقدار، وهو ما كان سببا في انخفاض معدلات البيع بهذا الشكل الكبير".
"تبريرات فاشلة"
ووفق عضو لجنة القوى العاملة بمجلس الشورى المصري السابق، طارق مرسي، فإن "الإجراءات الاقتصادية التي اتخذها نظام الانقلاب العسكري ضد المصريين أثرت بالسلب على كل احتياجاتهم، وخاصة السلع النفيسة التي كانوا يعتبروها بمثابة (القرش الأبيض الذي ينفعهم في اليوم الأسود)".
ويشير مرسي إلى أن "غلق 30% من ورش ومصانع الذهب بمصر، نتيجة طبيعية لغلق أكثر من 5 آلاف مصنع خلال السنوات الماضية، وفقا لبيان البنك المركزي المصري، حيث أدى غلق المصانع والشركات لتسريح العمال، وزيادة معدلات البطالة، وفي النهاية حالة الركود الذي تعيشها مصر منذ الانقلاب العسكري".
ويرفض البرلماني السابق، في حديثه لـ "عربي21"، تبريرات المسؤولين المصريين بأن "السبب في هذا التراجع، هو الحرب التجارية العالمية بين أمريكا والصين"، موضحا أن "الدول المحيطة بمصر لم تشهد هذه النسبة في معدلات غلق الشركات والمصانع، كما أن أسواق الذهب فيها مستقرة، رغم الحرب التجارية العالمية، على عكس الوضع بمصر".
وينهي مرسي حديثه، قائلا: "المصريون كان يلجؤون للذهب لمواجهة أزمات المستقبل، أما الآن فلم يعد لديهم أموال، وقد باعوا ذهبهم وكل ما يملكون، وليس لديهم ما يحميهم من الأزمات التي يعيشها الآن، وليس في المستقبل."
"نقص السيولة"
ويؤكد الخبير الاقتصادي سمير فهيم لـ "عربي21"، أن "الذهب لم يعد سلعة أساسية بالنسبة للمصريين، كما أنه لم يعد الملاذ الآمن الذي كان يعول عليه المصريين في وقت الشدة، نتيجة ارتفاع أسعاره بشكل كبير، بالإضافة لنقص السيولة الحاد الذي يشهده الشارع المصري".
وفيما يتعلق بمنجم السكري، الذي تعول عليه الحكومة المصرية في إنعاش سوق الذهب، يوضح فهيم، أن "إنتاج المنجم ليس ملكا لمصر، وأن عقد الامتياز الممنوح للمستثمر، يجعل له الحق في تسويق الذهب المستخرج من المنجم في أي مكان يريده، مقابل دفع النسبة المخصصة للحكومة، والضرائب السنوية والإتاوة المقررة شهريا، وهو مبلغ لا يتجاوز في أفضل الأحوال 80 مليون دولار سنويا، وفقا للأرقام الحكومية".
وينوه فهيم إلى أن "هناك مجالات دخلت في منافسة الذهب بالنسبة لطريقة الإدخار التي كان يفضلها المصريون، منها شراء الدولار خاصة بعد أن وصل سعر صرفه لـ 20 جنيها، وكذلك شراء العقارات خلال الفترة من 2011 وحتى 2016، ولكن بعد تحرير سعر الصرف ونتيجة للأزمات الاقتصادية المختلفة بمصر، فإن الادخار الخاص الذي يقوم به المصريون تراجع هو الآخر، نتيجة تراجع معدلات الدخل وارتفاع الأسعار".