بثقلِ شديد كانت تمر الدقائق على الأسيرة الفلسطينية المحررة منى قعدان، خلال مكوثها فيما يسمى بـ"المعبار" وهو محطة المكوث التي تنقل إليها السجينات قبل الذهاب إلى المحكمة أو النقل لسجن آخر، فهو أقل ما يمكن وصفه بـ"حياة العدم" التي يتعرض لها الأسرى خلال محاكمتهم.
بتنهيدة توحي بعمق الوجع والألم التي مرت به المحررة قعدان، والتي اعتقلت أكثر من خمس مرات قضت خلالها ثماني سنوات خلال فترة اعتقالها، بدأت تسرد تجربتها لأيام خلال مكوثها في "معبار هشارون"، والتي كانت بالنسبة لها تضاهي عشرات الأعوام.
"هو أشبه بزنزانة متر في مترين، لا يصلح للحياة الآدمية حيث أنك لن تستطيع الوقوف أو الجلوس أو النوم والاستيقاظ وحتى الشرب أو قضاء الحاجة، إنك تعيش ما بين شبه حياة وموت محقق". تقول قعدان لـ"الرسالة نت".
من فوق كاميرات مراقبة ملصقة على السقف القصير تراقبك على مدار الساعات ومن الأسفل تنتظرك القوارض والحشرات والفئران تنهش جسمك الذي يرتجف من شدة البرد ولا تملك سوى "بطانية خفيفة" تحاول فيها أن تقي نفسك شدة البرد، تضيف الأسيرة الأربعينية.
وسط العتمة الحالكة ولحظات الصمت، يدق باب "القبر" فجأة كف السجان ويدخل بعنف شديد ليجري جولة تفتيش في المكان الضيق؛ متعمدا إيقاع الأذى بأكبر صورة ممكنة لك فهو يحاول قتلك معنويا بعد كم التعذيب الجسدي.
وبأسفل النافذة التي يتسلل منها البرد القارس، مرحاض صغير تفيض منه المياه العادمة إلى الغرفة الصغيرة والتي لا يسمح بالخروج منها إلى ساحة صغيرة، سوى لساعة واحد في اليوم، بعد أن يقدم لك أسوأ طعامٍ قد لا يقبل به الحيوان قبل الإنسان، تصف الأسيرة.
ولكون الأسيرة فيما يسمى "المعبار" لا تملك إلا غيارا واحدا فإنها أيضا لن تستطيع تبديل ملابسها بسبب انعدام الخصوصية التي لا تسمح حتى بفك غطاء الرأس فكاميرات المراقبة تعمل طوال الوقت!
ومن المعبار إلى السجن "مسلخ الرملة" لم يكن الحال أحسن من سابقه، فنقل الأسيرة منى كان استمرارا لمسلسل التعذيب بعد جمعها مع السجينات الجنائيات تحت إدارة سجن تتقن فنون تعذيب الأسيرات، تروى قعيدان قبل الإفراج عنها.
لم يختلف الحال كثيرا لدى الأسرى، فيعتبر الأسير المحرر علي المغربي أن المعبار من أسوأ الأماكن التي يعيش فيها الأسير الفلسطيني طوال فترة مكوثه والتي تصل لشهر كامل دون أن يوجد فيه أي مقومات حياتية مقارنة بالوضع الطبيعي داخل الأقسام.
ويضيف المغربي في حديثه لـ"الرسالة نت ":" الجرأة في المعبار لدى السجانين في اعتدائهم على الأسرى تكون كبيرة، كون أنه محطة مؤقتة لا يوجد فيها حسيب أو رقيب من إدارة السجون، مما يجعلهم يوغلون في تعذيب الأسرى.
ويستخدم المعبار كعقوبة مبطنة تنتقم فيها إدارة السجون من الأسرى الذين تريد أن تذلهم، من خلال اختلاق محاكمة لهم ونقلهم إليه لأيام وربما لأشهر، وسط ظروف احتجاز صعبة للغاية ولا تراعي الحياة الأدمية للأسرى.
وبخلاف ما يجري في أقسام السجون فإن المعبار لا يراعي الظروف الصحية للأسرى المرضى ولا يسمح للأطباء بالمرور على الأسرى المرضى الذين يتم احتجازهم فيه، مما يصبح محطة قتل بطيء للأسرى، يصف الأسير المحرر المغربي.
وإلى حين نقلك لأقسام السجون أو للمحكمة فإنك تكون قضيت رحلة عذاب أشبه بالموت، في إحدى محطات معاناة الأسرى داخل السجون (الإسرائيلية).