أعلن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس رغبته إجراء انتخابات عامة في شهر يوليو من عام2019، عبر منصة الأمم المتحدة، ليكلف في السابع من أكتوبر الماضي رئيس لجنة الانتخابات البدء في المباحثات مع الفصائل للحصول على موافقة خطية منها بإجرائها.
خطوة الرئيس جاءت عقب مبادرة تقدمت بها فصائل ثمانية، سرعان ما وافقت عليها حماس، خلافا لفتح التي قالت إنها مكتوبة بـ "خط حمساوي"، ليرمي أبو مازن لاحقا كرة الانتخابات في مرمى الفصائل.
أعادت الفصائل الكرة لملعب عباس من جديد بعد موافقتها على إجراء انتخابات ضمن رؤيته، دون أي حوار وطني يسبق إجراءها، باستثناء حركتي الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية، لموقف سياسي مرتبط بالمشاركة في الانتخابات تحت سقف أوسلو.
تلقف رئيس السلطة كرة الفصائل هذه المرة بعد أن تفاجأ بأن الأمور على الأرض تسير بعكس تقديرات مطبخه السياسي تحديدا حسين الشيخ وماجد فرج، ليتذرع بقضية "الانتخابات في القدس" كحجة للتأجيل دون الحديث عن أي جهود في محاولة لإجبار الاحتلال على إجرائها هناك، "متناسيا كمهندس للاتفاق دوره في تحجيم عدد المصوتين بالمدينة".
وتبعا لاتفاق السلطة المبرم عام 1994، فإن عدد من يحق لهم التصويت لا يتجاوز 6 آلاف شخص، فيما كان عدد المسجلين ألف مواطن فقط في المدينة، التي يتعرض فيها المصوتون لعقوبات (إسرائيلية) لم تحمهم منها اتفاقيات السلطة.
الفصائل الفلسطينية رفضت مبدأ رهن الانتخابات بالموافقة (الإسرائيلية)، وأكدت ضرورة فرض الانتخابات على الاحتلال، بما يتجاوز إرادته ورغباته في تحديد الديمقراطية الفلسطينية.
وتؤكد الفصائل في مجملها أنّ تجاوز محمود عباس لحالة الاجماع الوطني القاضية بضرورة عقد حوار وطني يسبق العملية الانتخابية، وضع قضية الانتخابات في مأزق.
لكنّ السؤال الأهم برسم القيادي في الجبهة الشعبية عبد العليم دعنا: "ألم يكن عباس يعلم أنّ (إسرائيل) قد تمنع الانتخابات في القدس، قبل دعوته لإجراء الانتخابات؟"
وبرأي دعنا فإن القضية برمتها لم تتجاوز حالة الخداع التي يواصل الرئيس اقترافها تجاه القوى والفصائل الفلسطينية، لاستغلال الوقت المرتبط بالعملية الانتخابية.
ويبرز السؤال الأكثر أهمية، عن السبب الحقيقي الذي يعزف بموجبه الرئيس عن إصدار المرسوم الرئاسي، رغم تسريبات مقربين منه عزمه فعل ذلك نهاية العام، لكنّ الحقيقة التي تتسلل عبر قنوات مختلفة، تكمن في خشية الرئيس من تطور ترشيح مروان البرغوثي نفسه للانتخابات الرئاسية.
البرغوثي الذي تربطه علاقة سياسية متقدمة مع غريم عباس "محمد دحلان"، والذي أعلن رفضه لإجراءات أبو مازن بحقه وحق عناصره، يتطلع للترشح في الانتخابات الرئاسية، رافضا عرضا قدم إليه عبر محاميه من السلطة التخلي عن الانتخابات الرئاسية لقاء ترؤسه للقوائم الانتخابية للحركة في المجلس التشريعي.
أكثر من ذلك، يدرك الرئيس أن عزوف حماس عن الترشح المباشر في الانتخابات الرئاسية، قد يزيد من حظوظ البرغوثي، خاصة بعد أن تآمرت السلطة على إضرابه، وهذا يعني أن إمكانية دعمه من حماس واردة.
في المحصلة لن يقدم أبو مازن على إصدار مرسوم يتضمن الانتخابات الرئاسية، متذرعا بقدوم شهر رمضان ربما أو موسم امتحانات الثانوية العامة، وهي فرصة له ليرجئ اصدار مرسوم الانتخابات الرئاسية في وقت يعتقد فيه أن الوقت قد يكون سانحا لإقناع البرغوثي بالانسحاب من الانتخابات الرئاسية.
أما في الانتخابات التشريعية فمع إصراره على قوائم النسبي الكامل، فهو يقطع الطريق عمليا على نظام الدوائر، ويعطي فرصة متقاربة للنتائج، لكنه في المحصلة سيعطيه فرصة المنافسة المتكافئة على الأقل مع حماس.
لكنّ أبو مازن يصر عبر قنوات مقربة منه الاتفاق على تشكيل قائمة موحدة مع حركة حماس، أو على الأقل مع فصائل منظمة التحرير، مقابل تقديم تنازلات لها بما يضمن إمكانية منافسة ومواجهة حماس.
مقترح القائمة الموحدة طرحت على حركة حماس في جميع جولات المصالحة الأخيرة، وتحديدا تلك التي جرت في الاستضافة القطرية والمصرية، لكن الحركة كانت تقابلها دائما بشرط الاتفاق على برنامج سياسي يتجاوز برنامج المنظمة.
البرنامج السياسي قنبلة أخرى في طريق انتخابات حيث يشترط قانونها على القوى السياسية الاعتراف ببرنامج المنظمة والاتفاقات التي وقعتها، إضافة الى إصرار أبو مازن على المحكمة الدستورية كمرجعية انتخابية، وهو ما يعني أن الوصول إلى الانتخابات الثالثة في تاريخ السلطة لا يزال محفوفا بعديد المخاطر وربما تبدو المهمة الأكثر صعوبة وتعقيدا في تاريخ العمل السياسي الفلسطيني!