شرع الكيان الصهيوني في ضخ الغاز العربي الذي ينهبه من حوض شرق المتوسط للأردن، كما أنه سيشرع في غضون أيام في ضخ نفس الغاز إلى مصر. وسيحصل الصهاينة في صفقة الغاز مع الأردن على 10 مليارات دولار، في حين سيحصلون من مصر على 19 مليار دولار.
ولكي ندرك دور هاتين الصفقتين في تحسين الواقع الاقتصادي والأمني والاستراتيجي للكيان الصهيوني، فإنه من الأهمية بمكان الإشارة إلى أن مجموع ما ستحصل عليه (إسرائيل) من مقابل مالي في صفقتي الغاز يعادل أربعة أضعاف موازنة جيشها ومؤسساتها الأمنية!
بكلمات أخرى، فإن دافعي الضرائب في كل من الأردن ومصر سيمولون، رغم أنفهم، الجهد الحربي واللوجستي والاستخباري الصهيوني.
فما تشتريه (إسرائيل) من طائرات وعتاد وما تدفعه لمؤسساتها الاستخبارية التي تعيث في العالم العربي فسادا وما يحصل عليه ضباطها وجنودها من رواتب ومستحقات مالية سيتولى الأردن ومصر تأمينه على مدى السنوات الأربع القادمة.
خطورة الصفقتين لا تكمن في البعد الأمني فقط، بل أيضا في البعد الاستراتيجي؛ حيث أنهما ستمنحان (إسرائيل) القدرة على التأثير على القرار السياسي في الأردن ومصر، على اعتبار أن (تل أبيب) بإمكانها أن تغلق شبر الغاز وقتما رأت مصلحتها ذلك، سيما إذا حدث تحول على مواقف البلدين في المستقبل إزاء الصراع، مع العلم أن تل أبيب تفترض حدوث تحولات على الواقع السياسي الداخلي في العالم العربي بأسره.
من أسف، فإن الصفقتين في الواقع ستبدوان وكأنهما مكافأة (لإسرائيل) التي أعلنت أنها بصدد ضم غور الأردن والمستوطنات لها، وفي وقت تتعاظم مشاريع التهويد ولا يمكن لنظام يعتمد على الغاز الذي تصدره (إسرائيل) أن يعترض بشكل جاد على مخطط (إسرائيل) لضم غور الأردن ومواصلة التهويد والاستيطان وتغيير الواقع في المسجد الأقصى، وهو ما يعني توفير بيئة تسمح (لإسرائيل) بإمضاء سياستها تجاه القضية الفلسطينية دون أدنى مستوى من الممانعة العربية.
في الوقت ذاته، فإن الصفقتين ستحسنان المكانة الجيوإستراتيجية (لإسرائيل) بشكل غير مسبوق؛ لأن تحول (إسرائيل) كمصدر للغاز يعني تحسين مكانتها الدولية عبر تدشين شراكات مع دول أخرى.
ومن ناحية اقتصادية، فقد حلت الدولتان مشكلة تسويق الغاز العربي الذي تنهبه (إسرائيل).
(فإسرائيل) لم تتمكن من تصدير الغاز إلا لمصر والأردن، على اعتبار أن تدشين أنبوب غاز لنقل الغاز إلى أوروبا سيستغرق سنوات، ناهيك عن أن هناك شكوك إن كان تدشين هذا الأنبوب ممكنا أصلا. في الوقت ذاته، فإن عوائد الصادرات ستمكن (إسرائيل) من مواصلة التنقيب عن المزيد من الحقول الأخرى في حوض المتوسط.
بدلا من أن يتكاتف العرب للدفاع عن حقوقهم المائية في حوض المتوسط التي باتت نهبا (لإسرائيل) وغيرها، فإنهم يشجعون الصهاينة على مواصلة سلب ثرواتهم وبعد ذلك بيع بعضها لها. كان يسع الدول العربية أن تفعل كما فعلت تركيا التي سارعت لعقد اتفاق مع حكومة الوفاق الوطني الليبية يضمن الحقوق المائية للطرفين.