رأى مختصون في الشأن الإسرائيلي، أنّ الخلاف السياسي الذي يعصف بالبيئة السياسية للكيان، خاصة بين أقطاب اليمين الحريدي مع اليمين الوسط، يعبر عن أزمة هوية في الكيان ويشكل تهديدا وجوديا، إذا ما تفاقم الصراع وانزلق في اتون انفجار داخلي.
وأكدّ المختصون في الشأن الإسرائيلي خلال ندوة نظمها مركز (الهدهد للدراسات الإسرائيلية) حول استشراف (مآلات الأزمة السياسية الإسرائيلية) أن الديمقراطية تشكل منقذا للإسرائيليين بفعل تباينات التركيبة الداخلية، ومأزقها يعني تهديدا حقيقيا على العلاقة بين هذه المركبات.
وناقشت الندوة ثلاثة محاور مرتبطة بالأزمة، يتمثل محوره الأول في الخلاف الحريدي – العلماني في دولة الاحتلال إلى أين؟ ، تحدث حوله الدكتور صالح النعامي المختص في الشأن الإسرائيلي.
أما المحور الثاني فكان حول مستقبل كتلتي اليمين واليسار في ظل الأزمة السياسية القائمة، تحدث حوله الدكتور مأمون أبو عامر المختص في الشأن الإسرائيلي.
وتناول المحور الثالث حجم تأثير الفراغ السياسي على مؤسسات الدولة، متحدثا حولها المختص في الشأن الإسرائيلي سعيد بشارات.
وشارك في الندوة نخبة من الأساتذة المختصين في الشأن الإسرائيلي، للحديث عن رؤيتهم المرتبطة بطبيعة هذه المحاور.
الخلاف الحريدي – العلماني
بدوره استعرض د. صالح النعامي المختص في الشأن الإسرائيلي، مراحل ومحطات الخلاف الإسرائيلي الداخلي تحديدا بين قطبيه الحريديين والعلمانيين، في ضوء الأزمة السياسية الراهنة التي تعصف بالكيان.
وأوضح النعامي في مداخلته أن المجتمع اليهودي الإسرائيلي ينقسم لأربعة فئات وهي:
- العلمانيون، وهم يشكلون من الدولة ما مجمله 43% من المجتمع
- التقليديون: وهم من يحافظون على بعض الممارسات الدينية بشكل انتقائي وهم يشكلون 33% من المجتمع
- التيار الحريدي: وهم يشكلون 10% تقريبا من المجتمع، وينقسم لقسمين وهما:
- القسم الأول:
التيار الحريدي الغربي: الذي يشكله المهاجرون من أوروبا الشرقية وآسيا والاتحاد السوفييتي، وينقسم لفتئين:
الفئة الأولى: الحاسيبيين: وهؤلاء يتمايزون من ناحية فقهية فهم يركزون على الابتهالات أكثر من الجانب التعليمي الديني المتدين، ويحافظون على مستوى محدد من التعليم الديني ويتركون بقية التعاليم الدينية للحاخامات.
الفئة الثانية: الليتائيم: وهي فرقة تركز على الجانب التعليمي ولذلك هي هي تضم الطبقة النخبوية، ويمثلها سياسيا (يهودوت هاتوراه).
- القسم الثاني: اليهود الشرقيين ويمثلهم حركة شاس, قدموا للمنطقة في خمسينيات القرن الماضي من دول المغرب العربي، وتم استيعاب المتدينين منهم في المؤسسات الدينية للتيار اللتائي، ومن أبرز ممثليهم الحاخا عوباديا يوسيف، الحاخام الشرقي الأكبر للشرقيين، ومؤسس حركة شاس التي شكلها لدافع عرقي وليس ديني.
- أخيرا.. التيار القومي اليهودي: وهم يشكلون ما مجمله 12% من المجتمع، ويتميزون من ناحية الشكل بالقبعات المزركشة الصغيرة، ويتميزون باندماجهم بالجيش، ولديه تمثيل عالي في الوحدات القتالية، خاصة في الدرجات العليا للجيش.
وأوضح النعامي أنه لا يوجد خلاف بين الحركة الحريدية والقومية، مشيرا إلى أنه نشأ تيار ثالث (الحردليم) يجمع بين القوميين والحريدين ويمثلها سياسيا حركة (عتصماه).
ويلفت النعامي إلى أن الأرثوذكس كانت الفئة الوحيدة المتدينة في المجتمع الإسرائيلي، قسم منهم أيد الحركة الصهيونية السياسية فأصبح قوميا، والحريدين تعاملوا مع إسرائيل بشكل واقعي بعدما سمي بالكارثة واضطرارهم للهجرة لإسرائيل والاندماج المرحلي.
وعن أوجه الخلاف الحريدي العلماني، أوضح النعامي أن الحريديون يسعون لتحقيق مجموعة من القضايا الدينية أبرزها: (الحفاظ على الطابع الديني للدولة، حرمة السبت، الأحوال الشخصية في الزواج، القضية الأخطر في التهود وتعريف اليهودي ضمن أعراف الحريدية وليس الفورمية).
وثانيها، (الحفاظ على مكتسباتهم من الدولة التي تحققت لديهم منذ وصول حزب الليكود للحكم عام 77، وتتمثل في المخصصات الدينية والضمان الاجتماعي والأولاد والبطالة والشيخوخة)، تبعا لقوله.
في المقابل: تتلخص المشكلة العلمانية مع الحريديين، بحسب النعامي، في النقاط التالية:
- الارتكاز لمواقف مسبقة ترتبط بسلبية الدور الحريدي في عدم الانضمام للجيش، مقابل المخصصات التي يتلقونها.
- النظام التعليمي للحريدين لا يساعدهم الاندماج في سوق العمل، خاصة وأنه يستثني تدريس المواد المهمة كلغات ورياضيات وعلوم وغيرها، والمتخرج غير مؤهل لسوق العمل.
- يعتقد العلمانيون أن مستقبل الدولة ستواجه (40% من متخرجي النظام التعليمي الحريدي، و30% من العرب، ما يعني أن 70% من المجتمع لن يكون منتجا، وسيكون 30% منه فقط المنتج ما يعني الانهيار عمليا لهذا المجتمع).
- التركيز على طابع الدولة والخلاف حول تعريف اليهودي ابتداء ثم ارتباط الدين بالدولة.
ومما يعزز فرص الخلاف بين الطرفين، تبعا للنعامي، عدم وجود دستور يمكن الاستناد عليه لحل الخلاف بين المتدينين، أو يعرف شروط الحقوق والواجبات، وهو مدعاة لتعزيز الانقسام الداخلي، لا سيما وأنه لا يوجد تعريف للدولة والحدود.
كما يشكل طابع النظام السياسي الانتخابي (النظام النسبي الكامل) إشكالية أخرى، إذ يسمح للحركات الصغيرة بوجود تمثيل واللعب في بعض الأحيان بموازين القوى، (ولعبت الحريدية دورا مهما في تشكيل الحكومات اليمينية).
ميزان القوى بين العلمانية والحريدية
وحول ميزان القوى بين القطبين المتصارعين، يرى النعامي، أن الميزان يميل للتيار الحريدي، كونه يملك باستمرار حركات وأحزاب تمثله بشكل دائم كأحزاب (شاس ويهودوت هاتوراه والبيت اليهودي، وهي أحزاب تتقاطع مع كثير من أطروحات الأحزاب الحريدية).
وأشار إلى أن بني غانتس لن يستطيع تشكيل الحكومة بالاعتماد على ليبرمان وقطعا سيستثني القائمة المشتركة، ما يعني أنه بحاجة لليكود، الذي يعدّ الحريدية من الشركاء الطبيعيين ولا يملك أي اجندة لمعاداتهم.
ولفت إلى توقف بني غانتس ولابيد عن الهجوم على الحريدين باعتبارهم شركاء لليكود، منبها إلى أنّ الأحزاب العلمانية تتبنى الموقف المتطرف من الناحية الايدلوجية في رؤيتها للصراع.
وأكدّ النعامي أن الخلاف سيظل في اطار الجدال، ولن يتمكن ليبرمان من حسم موقف وقد يجري التضحية به واخراجه من الحكم نتيجة موقفه من الأحزاب الحريدية.
ويخلص النعامي إلى أن الخلاف الحريدي العلماني نتيجة صراع أثني وليس عقدي أو ديني، لافتا إلى أنه مع وصول اليهود الروس مع بداية تسعينيات القرن الماضي، بدأت تقطن في أحياء جديدة بجوار اليهود الشرقيين محتفظين بأطباع وثقافة مختلفة عنهم، إضافة لشعور بتعالي الغربيين على الشرقيين.
وذكر أن الحريديم يحرص وزارة الداخلية لانها تتحكم بالتهود وتمنح المواطنة من عدمها، ولا يزال التأثير الحاخامي الحريدي قائم في تقبل اليهودية.
كما نبه إلى أن التقارب الأيدلوجي بين أحزاب اليهود تقلص فرص الخلاف لكي لا يتحول لصراع، ولا يوجد مؤشرات حول قدرة العلمانيين على الحسم في انتزاع مواقف من الحريديم.
ولفت إلى أن المجتمع الإسرائيلي بغالبيته أصبح يجنح لليمينة، إذ تشير التقديرات إلى أن 73% من الشرقيين يمينيين، والروس 81% يمينيين، إضافة إلى الحريديم، ما يعني أنّ المجتمع الإسرائيلي بغالبيته العظمى أصبح يميل لليمين.
مستقبل اليمين واليسار!
من جهته، استعرض د. مأمون أبو عامر المختص في الشأن الإسرائيلي، معتقدا أن هذه الأزمة تشكل تهديدا وجوديا على لإسرائيل، وهي كاشفة للواقع الإسرائيلي.
وأوضح أبو عامر في مداخلته، أن الأزمة نتيجة مسارين للتحول أولهما (التحول العامودي الذي يجري تتبعه في التحولات الاجتماعية والسياسية منذ بدء نشوء الحركة الصهيونية، والآخر تحول أفقي يبرز عبر التحولات في المجتمع الإسرائيلي نفسه).
ونبه أبو عامر إلى أن فكرة اليمين واليسار في إسرائيل تختلف عنها في العالم، فاليسار ذات توجهات اشتراكية تنادي بالحريات العامة والخاصة، أما اليمين عادة يكون اكثر تمسكا بالخط الوطني المتشدد العسكري يتسامح أحيانا مع تجاوز القانون للمصلحة القومية.
بذور الخلافات
وحول بذور الخلافات بين المعسكرين اليميني واليساري، يشير إلى أنها بدأت مع تشكيل الدولة، إذ يعتقد أصحاب الفكرة اليسارية أن الحركة الصهيونية السياسية لن تؤدي لإقامة دولة، كما ينادي اليساريون بتحدد هوية الدولة الإسرائيلية التي تشمل الضفتين الشرقية والغربية والتركيز على الاستيطان والمال اليهودي هناك.
وأوضح أبو عامر أنّ الصهيونية السياسية تفكر بمنطق العلاقة مع القوى الدولية والتواصل مع المجتمع الدولي، استنادا لحديث بن غوريون (أسسنا إسرائيل 90% سياسة و10% قوة عسكرية).
وذكر أن الفكر الاشتراكي توافق مع منطلقات الحركة الصهيونية اليمنية، انطلاقا من مصلحة تجميع اليهود كونهم مشتتون ولا تربطهم وجائش قومية، وحاجته لإقامة الدولة والتسويق لفكرة الصهيونية.
مراحل السيطرة
واستعرض أبو عامر مراحل سيطرة القطبين على الحكم في الكيان، لافتا إلى سيطرة اليسار في بداية نشوء الكيان حتى العام 77م التي فاز فيها للمرة الأولى اليمين وحصل على أغلبية، ثم انتقلت لمرحلة التبادلية والتنافس بين اليمين واليسار حتى عام2001 وسقوط باراك الذي شكل نهاية حزب العمل في الحكم.
وذكر أن اليمين بدأ بالسيطرة المطلقة مع وصول شارون عام 2001 مع فشل كامب ديفيد، ونجح في الحصول على الأغليبية المطلقة في انتخابات 2003 اذ فاز اليمين بـ69 مقعد مقابل 28 ليسار في انقلاب واضح بين العامين (1949- 2003).
وأكدّ أبو عامر وجود تحول كبير في المجتمع بين (اليمين الواقعي) الذي يتفق مع اليسار في بعض المقولات السياسية مع اليمين التقليدي، ومن أبرز مكونات اليمين الواقعي كاديما ثم أبيض أزرق.
ولفت إلى أن جميع القوى اليمينية تجمع على ثوابت رئيسية الحفاظ على أرض (إسرائيل كاملة) وانفصال المجتمع الفلسطيني وعدم إقامة دولة فلسطينية، فيما باتت تذوب الأحزاب اليسارية في مجتمع الكيان، ولم يتبق منها سوى بعض الأحزاب كحزب (ميرتس) وحزب العمل والحركة الديمقراطية.
ويخلص أبو عامر إلى وجود انهيار ايدلوجي للأحزاب الإسرائيلية، منبها إلى أن الخلاف بالمجتمع الإسرائيلي لم يعد بين يمين ويسار بل (يمين ويميني وسط ويمين معتدل وهكذا)، فيما اليسار لمزيد من الانيهار، والمفاضلة ستكون لمن يحقق للجمهور مميزاته.
وقال إن أي سياسي يرغب في دغدغة العواطف الإسرائيلية عليه تبني القضايا التي يريدها اليمينيون من عدم قيام الدولة وموضوع تقسيم القدس وغيرها.
فراغ سياسي!
من جهته، استعرض المختص في الشأن الإسرائيلي سعيد بشارات، تأثير الأزمة السياسية في الكيان على مؤسساته، مشيرا إلى وجود تراجع وشبه انهيار لقطاعات حكومية مختلفة بدأت تبرز في تدهور الخدمات الصحية وأخرى مرتبطة بالبنية التحتية، خاصة مع غرق عدد من البلدات والمدن في الكيان.
وقال بشارات في مداخلته إنّ الأزمة عكست ظلالها على الخطاب السياسي للحكومة ضد السلطة القضائية، وظهر ذلك في خطاب نتنياهو.
وأوضح أن الازمة وصلت لحد اتهام وزير القضاء شاكيد بالتحالف مع افينيت لتعيين قضاة من اليمين، لتحقيق قضايا مرتبطة بمستقبل الاستيطان والالتفاف على المحكمة العليا بشأن سن القوانين.
وبيّن أن الازمة تسببت الازمة في عجز بميزانية الكيان بفارق بين ميزانيتي 2018- 2019 ما قيمته 12 مليار دولار، إضافة على خلو صندوق الدولة من المال، كما أنه لهذه اللحظة توقف بناء المدارس وإعداد الخطط الدراسية، والازدحام المروري وغيرها.