تصاعدت عمليات القصف المتفرقة من قبل الفصائل العراقية المرتبطة بإيران، ضد القواعد التي تتمركز بها قوات أمريكية، سواء بقذائف الهاون أو عبر صواريخ الكاتيوشا، والتي لا تحدث خسائر كبيرة على الصعيد العسكري لكنها كانت مبررا لاغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس.
وخلال الأيام التي أعقبت اغتيال سليماني والمهندس، هددت تلك الفصائل القوات الأمريكية، باستمرار استهدافها والرد على عملية الاغتيال، لحين "خروج القوات الأمريكية" كما تقول، في مؤشر إلى الرغبة بممارسة "عملية استنزاف" طويلة، لدفع الولايات المتحدة للتفكير بكلفة البقاء في العراق.
واستهدفت المنطقة الخضراء ومحيط السفارة الأمريكية مرارا خلال الأيام الماضية، بالإضافة لقاعدتي بلد والتاجي، دون سقوط خسائر تذكر.
وينتشر نحو خمسة آلاف جندي أمريكي في قواعد عسكرية بأرجاء العراق، ضمن التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة. وكان البرلمان العراقي صوت بالموافقة، على طلب حكومة تسيير الأعمال التي يرأسها عادل عبد المهدي لإخراج القوات الأمريكية من البلاد.
ويطرح الاستهداف المتواصل للقواعد التي يتواجد بها أمريكيون، تساؤلات ما إذا كانت الفصائل المرتبطة بإيران، قد اتخذت قرارا بخصوض عملية استنزاف طويلة الأمد، لدفع الأمريكان إلى الخروج من العراق، وما إذا كانت ستنجح بذلك، وفي المقابل كيف ستواجه الولايات المتحدة هذا التحرك.
المحلل السياسي اللبناني الدكتور عبد اللقيس قال إن القوات الأمريكية في العراق، "لم تعد شرعية، بنظر الحكومة والبرلمان، وباتت فعليا تصنف على أنها قوة احتلال خارجي بشكل رسمي".
ولفت اللقيس لـ"عربي21" إلى أن ما يجري من عمليات قصف، واستهداف لمواقع وجود الأمريكيين في العراق، ما هي إلا مؤشرات وإرهاصات لما هو قادم على طريق إجبار القوات الأمريكية للخروج من المنطقة".
وأضاف: "هناك واقع جديد الآن في هذا المسار، واليوم تشكل محور للمقاومة في العراق من قوى الحشد الشعبي، أمينه العام مقتدى الصدر ورئيسه هادي العامري، والضربة على عين الأسد رغم زعمهم بعدم وقوع خسائر فيها، إلا أنها مقدمة".
وتوقع اللقيس أن "تكون الأيام المقبلة على الوجود الأمريكي في العراق، وخيمة نظرا للتحضيرات التي تجريها المقاومة العراقية، فهي تستند إلى قرار حكومي وبرلماني، يمنحها القوة لمواجهة وجود احتلالي لا شرعية له".
وشدد على أن أي رد أمريكي، على استهداف قواعده في العراق، "يعني أن حجم رقعة النار سيتسع، سيصبح استهدافه أكثر حدة وفي العديد من المناطق" مشيرا إلى أن "استهداف القيادات لن يمنع الفصائل العراقية من توجيه القذائف والصواريخ واستنزاف قواته المختبئة في القواعد".
واعتبر أن قرار الكونغرس الأمريكي، "تقييد يد ترامب في القيام بعمل عسكري ضد إيران، تعبير عن مدى المخاوف الأمريكية من اندلاع حرب شاملة وتكبد خسائر تفوق الاحتمال" وفقا للقيس.
من جانبه اعتبر المحلل العسكري العقيد أحمد الحمادي، أن الفصائل العراقية المرتبطة بإيران، "غير قادرة على تشكيل عامل استنزاف للقوات الأمريكية المتمركزة في العراق".
وأوضح الحمادي لـ"عربي21" أن عمليات القصف المتفرقة، من قبل "فصائل إيران" في العراق، "لا تملك القدرة على إيقاع خسائر في القوات الأمريكية، وهي عملية إزعاج أو تشويش بحدها الأقصى، لأن فكرة الاستنزاف هي أكبر من إطلاق قذيفة تسقط بأماكن فارغة، أو صواريخ لا تصيب أهدافها".
وأضاف: "القوات الأمريكية قد تعيد الانتشار أو تزيد من إجراءات الأمان والتحصين داخل القواعد المتواجدة فيها، وقد تلجأ إلى استخدام أسلحة مضادة أكثر كفاءة في رصد واعتراض الصواريخ، التي تستهدف بها القواعد".
ورأى أن القصف بهذه الصورة "طبيعي" من الناحية العسكرية، لأن وراءه "مليشيات منفلتة دون قيادة، والعقيدة التي تشكلت على أساسها ترفع شعارات يمكن أن تتغير بين ليلة وضحاها مثل الشيطان الأكبر، ودخلت إلى سوريا وغيرها من المناطق تحت نظر وعلم الولايات المتحدة، وهي أقل من أن تستنزف الأمريكان".
وشدد على أن الرد الأمريكي على أي "هامش يمكن احتماله في عمليات استهداف قواتها، سيكون كما حصل مع سليماني عبر التخلص من القيادة مباشرة، خاصة أنها أعدت قائمة جامعية بكل المسؤولين عنها، وادرجتهم في لوائح الإرهاب بانتظار أوامر التخلص منهم".
وختم بالقول: "هذه المليشيات سمح لها بالعمل، في فترة ما، للتخلص من تنظيم الدولة، ويبدو أن القرار الأمريكي صدر بالتخلص منها أو تحجيمها، خاصة بعد تصريحات وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبر بأن قواعد الاشتباك تغيرت في المنطقة، وهو ما يعني سياسة أمريكية جديدة تجاه تمددها".