كشف تقرير جديد أصدره المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان عن أن الفقر ضرب أكثر من نصف سكان قطاع غزة البالغ عددهم نحو مليوني نسمة، تزامنًا مع انقضاء 14 عامًا من الحصار الإسرائيلي المطبق على القطاع.
ورصد التقرير، الذي جاء في نحو 50 صفحة باسم "مساحة الموت"، مؤشرات التدهور في قطاعات الصحة والاقتصاد والتعليم وجوانب الحياة اليومية للفلسطينيين في ضوء تقرير سابق أصدرته الأمم المتحدة عام 2012، وتوقعت فيه أن يصبح القطاع مكانًا غير قابلٍ للعيش بحلول عام 2020.
وقال بروفيسور ريتشارد فولك، رئيس مجلس أمناء الأورومتوسطي والمقرر الخاص السابق للأمم المتحدة المعني بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية، إن التقرير يقدم أدلة دامغة على كيفية تقويض السياسات والممارسات الإسرائيلية للهياكل الاقتصادية والاجتماعية في غزة.
وأضاف أنه "مما يثير القلق بشكل خاص أن الأمم المتحدة والدول الأعضاء تسمح لهذه الحالة من عدم امتثال إسرائيل للقوانين التي لها مثل هذا التأثير الخطير على السكان المدنيين بالاستمرار لفترة طويلة، دون بذل جهد أكبر لحثها على احترام القانون الدولي ورفع الحصار ووقف جميع أشكال العقاب الجماعي".
وذكر فولك أن "الفضيحة الإنسانية التي يعيشها العالم اليوم تشمل سكان غزة، متحديةً ضمائر البشرية جمعاء، حيث ازدادت هذه الظروف قسوة خاصة منذ أن فرضت إسرائيل هذا الحصار الصارم على غزة، والذي فاقمته أشكال مختلفة من القيود التي تفرض تحديات يومية لا يمكن للسكان المحليين تحملها".
ووثق التقرير تضاعف نسب ومؤشرات الأزمة الإنسانية في القطاع "بشكلٍ صادم"، مشيرًا إلى أنه وفي الوقت الذي كانت نسبة البطالة بين السكان تبلغ نحو 23.6% عام 2005، وصلت اليوم -مع بداية عام 2020- لأكثر من ضعفها بنسبة 52%، لتكون من بين أعلى معدلات البطالة في العالم بسبب إغلاق عشرات الشركات والمنشآت والمؤسسات.
إلى جانب ذلك، فقد ضرب الفقر أكثر من نصف السكان، بنسبة 54%، مقارنة بنحو 40% عام 2005، ليبقى أعلى بمرتين ونصف منه في الضفة الغربية، فيما وصلت نسبة انعدام الأمن الغذائي إلى نحو 71%.
وعلى صعيد الاقتصاد الكلي تراجعت مساهمة قطاع غزة في إجمالي الناتج المحلي نهاية عام 2019 إلى أقل من 20% من إجمالي الناتج المحلي الفلسطيني، فيما انخفض معدل دخل الفرد الواحد في غزة إلى 800 دولار أمريكي سنويًا، مقارنة بمعدل 3,600 دولارًا في مجمل الأراضي الفلسطينية.
وأبرز التقرير أنه وخلال أكثر من 14 عامًا، عملت السلطات الإسرائيلية على ترسيخ سياسة عزل قطاع غزة، من خلال فصله عن الضفة الغربية فيما سمي بسياسة الفصل، موضحًا أن الحق في حرية الحركة يعد أحد أوضح المؤشرات على أثر الحصار على تقليص الحريات وخنق الحياة في القطاع.
وقال: "فمن سبعة معابر تجارية ومخصصة لحركة الأفراد قبل فرض الحصار الإسرائيلي، انخفض العدد إلى ثلاثة فقط، اثنان منها مع إسرائيل وواحد مع مصر، الأمر الذي أدى إلى تقليص أعداد المسافرين وشاحنات البضائع والمساعدات إلى أكثر من النصف. على سبيل المثال، بلغ معدل حالات العبور عبر معبر إيرز شهريًا نحو 65,000 حالة قبل فرض الحصار الإسرائيلي، لينخفض ذلك إلى أقل من الربع خلال عام 2019، ويصل إلى نحو 14,000 حالة شهريًا فقط".
وأكد التقرير أن القطاع الصحي يبقى الأكثر تأثرًا والأكبر تأثيرًا على تردي الوضع الإنساني في غزة، حيث رصد ارتفاع نسبة العجز في الأدوية إلى نحو 52% مع بداية عام 2020، مقارنة بما يقارب 16% فقط خلال عام 2005.
وأضاف "يعني ذلك بشكلٍ أساسي بأن القطاع الصحي عاجز عن تقديم العلاج والرعاية الصحية للغالبية العظمى من السكان، في الوقت الذي تصل فيه فترات الانتظار للخضوع للعديد من العمليات الجراحية إلى نحو 16 شهرًا، مقارنة بثلاثة أشهر فقط عام 2005".
وطالب الأورومتوسطي في ختام تقريره المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته في حماية المدنيين الفلسطينيين، وذلك من خلال العمل الجاد على إنهاء الاحتلال الإسرائيلي طويل الأمد لكافة الأراضي الفلسطينية، لوقف ما يُرتكب من جرائم حرب وعقوبات جماعية بحق السكان المدنيين.
ودعا المرصد الحقوقي المجتمع الدولي إلى حث السلطات الإسرائيلية على الالتزام بمسؤولياتها تجاه السكان المحتلين وفق ما قررته المواثيق والمعاهدات والأعراف الدولية، بما في ذلك إنهاء الاحتلال ورفع الحصار فورًا باعتباره شكلًا فاضحًا من أشكال العقاب الجماعي.
ودعا المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان الأطراف السامية المتعاقدة في اتفاقيات جنيف للوفاء بالتزاماتها الواردة في المادة الأولى من الاتفاقية والتي تتعهد بموجبها بأن تحترم الاتفاقية وأن تكفل احترامها في جميع الأحوال، بحيث تكفل التزام إسرائيل بالاتفاقية. وكذلك الوفاء بالتزاماتها القانونية بموجب المادة (146) من الاتفاقية الرابعة والتي تتيح لها ملاحقة المتهمين باقتراف مخالفات جسيمة للاتفاقية.
وحث كذلك على إحالة المتورطين– بمن فيهم القادة والجنود الإسرائيليون- الذين ارتكبوا انتهاكات ضد المدنيين الفلسطينيين إلى المحاكم المختصة بما فيها محاكم الدول الأطراف في اتفاقيات جنيف، وفق مبدأ الاختصاص العالمي، والمحكمة الجنائية الدولية وضمان عدم إفلاتهم من العقاب.
التقرير كاملًا هنــا