حذّر الباحث في "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب، شموئيل إيفِن، من أن احتمال نشوب حرب بين "إسرائيل" وإيران أو حزب الله أو كلاهما معا، ليس ضئيلا، وأن نشوب حرب كهذه مرتبط بشكل كبير بالعمليات العسكرية الإسرائيلية ضد إيران في سورية.
واعترض إيفن، في مقال نشره أمس، الثلاثاء، على تقديرات شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان)، التي نُشرت في منتصف كانون الثاني/يناير الماضي، وقالت إنه يوجد "احتمال ضئيل لحرب يبادر إليها أعداؤنا في العام 2020"، لكن يوجد "احتمال متوسط إلى مرتفع للحفاظ على معادلة رد الفعل في الجبهة الشمالية، والاستعداد للمخاطرة إلى درجة الحرب".
وحسب تقديرات "أمان"، فإن أمين عام حزب الله، حسن نصر الله، مستعد للرد على عملية عسكرية إسرائيلية حتى لو كان ذلك ينطوي على مخاطرة بالدخول في حرب، مثلما حدث عندما أطلق مقاتلو الحزب صاروخا مضادا للمدرعات باتجاه سيارة إسعاف عسكرية في منطقة بلدة أفيفيم الحدودية مع لبنان، في مطلع أيلول/سبتمبر الماضي.
ورأى إيفن أنه بالإمكان الاستنتاج من تقديرات "أمان" أن "قدرة الردع الإسرائيلية موجودة لكنها محدودة، وأعداءنا لن يضبطوا النفس بعد هجمات تتجاوز سقف استهداف معين. وفي حال واصلت إسرائيل سياستها من العام 2019، عليها أن تكون مستعدة للحرب، وخاصة إذا وافقت على توصية أمان بتصعيد الهجمات ضد الإيرانيين في سورية، في العام 2020".
وتعتبر "أمان" أن هذه الهجمات يمكن أن تمنع التموضع الإيراني في سورية، وأنه ينبغي مواصلتها وتصعيدها انطلاقا من فرضية استغلال اغتيال قائد "فيلق القدس" في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، الذي قاد عملية التموضع هذه.
وأشار إيفن إلى أن "التوصية بتصعيد الهجمات تدل على أن الفرق بين هذه الانجازات المطلوبة ليس تناسبيا فقط". وأضاف أنه "بموجب تقديرات أمان، يبرز ضعف المحور الشيعي المتطرف الذي تقوده إيران. وبناء عليه، فإن الوجود العسكري الإيراني خارج حدود إيران قد يحصل على أفضلية متدنية أكثر في أعقاب تركيز النظام على مجالات متعلقة ببقائه، والتي تحتل أفضلية أعلى، مثل الاستقرار الاقتصادي والسياسي والدفاع عن إيران نفسها ومشروعها النووي. كما أن حزب الله، حليف إيران الرئيسي، قلق حيال الحلبة اللبنانية الداخلية، وتبرز براعم نأي حزب الله بنفسه عن إيران، حسب تقديرات أمان".
وأشار إيفن إلى محاضرة ألقاها رئيس "أمان"، تمير هايمن، وشرح فيها منطق الإستراتيجية التي توجه توصيات "أمان"، بأن "سورية موجودة في مركز المحور الشيعي المعادي لإسرائيل، ويدور في أراضيها اليوم صراع بين اللاعبين الإقليميين الذين يحاولون بلورة (مستقبل) سورية. وهذا الوضع يوفر لإسرائيل فرصة للتأثير على دور سورية في المنظومة المستقبلية، وكسر المحور الشيعي المتطرف ضد إسرائيل. وعدم القيام بعمل من شأنه أن يجعل إسرائيل ضحية ظروف، فيما السيناريو الخطير هو أن يتواجد في سورية نموذج، أصغر أو أكبر، لحزب الله في لبنان. وفيما يتعلق بالمخاطر، فإن الحديث يدور عن مخاطرة محسوبة، ولذلك فإن حول أي عملية عسكرية يجري تقييم مراقَب للوضع".
وحذر إيفن من أن تطبيق توصيات "أمان" يمكن أن يزيد مخاطر الحرب، لكنه قال في المقابل إن عدم تطبيقات هذه التوصيات "قد يهدر فرصة إبعاد إيران عن سورية". وأضاف أنه "من الناحية المبدئية، ينبغي التمييز بين تقديرات أمان الاستخبارية وبين توصياتها بالعمل. وفي مجال التوصيات بالعمل، لا يوجد لأمان المكانة المهنية الخاصة نفسها الممنوحة لها في مجال التقدير الاستخباراتي، وذلك لأن التقديرات الاستخباراتية محدودة بتحليل المحيط الخارجي فقط، بينما التوصيات لتنفيذ هجمات يفترض أن تكون ثمرة تقييم للوضع. وهذه تدمج بين تقييمات الاستخبارات وتقييم قدرات إسرائيل ووضعها في عدة مجالات، وبضمنها علاقات إسرائيل السياسية، وخاصة جهوزيتها للحرب واستعدادها لتحمل عواقبها".
ولفت في هذا السياق إلى أقوال رئيس أركان جيش الاحتلال افيف كوخافي، في 25 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، بأنه "في الحرب القادمة، وأنا أتحدث عن حرب في الشمال أو حرب مع حماس، ستكون قوة النيران على الجبهة الداخلية كبيرة. وأنا أنظر في عيون جميع الأشخاص وأقول إن قوة النيران ستكون كبيرة، وينبغي الاعتراف بذلك".
وأشار إيفن إلى أن عديد القوات الإيرانية والموالية لإيران وقوات حزب الله في سورية يصل إلى 15 ألف شخص. "والوجود الإيراني في سورية يخدم مصالح إيرانية أخرى، ليست موجهة ضد إسرائيل، مثل الحفاظ على نظام الأسد وتصدير الثورة. وتمارَس على إيران ضغوط أخرى من أجل تقليص تواجدها في سورية، ولا تتعلق بالضغط العسكري الإسرائيلي، وبينها المعارضة داخل إيران لإنفاق مالي على عمليات عسكرية في دول في الشرق الأوسط فيما تعاني من ضائقة اقتصادية، إلى جانب ورطات تسبب بها فيلق القدس، وبينها إسقاط الطائرة الأوكرانية خطأ".
وتطرق إيفن إلى نجاعة الهجمات الإسرائيلية. "ليس أي وجود عسكري إيراني في سورية ينبغي اعتباره هدفا إستراتيجيا بارزا، ولذلك ثمة حاجة للانتقائية. وبالنسبة للقدرة، ينبغي التساؤل ما هي احتمالات نجاح إسرائيل بإنهاء الوجود الإيراني في سورية بوسائل عسكرية، ثم الحفاظ على هذا الإنجاز بشكل متواصل ولفترة طويلة. وبالإمكان التقدير أن هذا احتمال ليس مرتفعا. وحتى لو كان الاحتمال مرتفعا، فإن الثمن قد يكون باهظا وخروج إيران من سورية لن يقلل مبدئيا من قدراتها على العمل ضد إسرائيل من جبهات أخرى أيضا... وإذا خرجت إيران من سورية، ستفقد إسرائيل سورية كحيز ردع ورد فعل ضد إيران".
وحول أضرار تصعيد الهجمات الإسرائيلية ضد إيران في سورية، رأى إيفن أنه "يوجد احتمال لحدوث مواجهة عسكرية وزيادة الأضرار المحتلة. فتصعيد الهجمات ضد الوجود الإيراني في سورية سيرافقه تزايد المخاطر لرد مضاد، وحتى بتصاعد مخاطر الحرب، بموجب تقديرات أمان. وتتطلب هجمات الجيش الإسرائيلي في الشمال دقة فائقة كي لا يؤدي إحباط (أنشطة إيرانية) إلى تصعيد، ولكن لا يمكن ضمان ذلك بالكامل، وكلما تتصاعد الهجمات المكثفة، تتزايد احتمالات نتائج استثنائية. إضافة إلى أن العدو يستخلص العبر ويسعى لتحقيق إنجازات".
وتابع إيفن أن "التدهور إلى حرب قد يحدث إثر هجوم يبادر إليه العدو، الذي أخطأ وقدر أن تحتويه إسرائيل، مثلما حدث في حرب لبنان الثانية، وثمن الخطأ سيدفعه كلا الجانبين. وحرب في سورية قد تتحول إلى متعددة الجبهات. وحتى لو لم تنشب حربا، فإن إسرائيل قد تدفع أثمانا في إطار ردود مضادة وأخطاء والتورط مع قوات أجنبية في سورية. وحتى لو أن العدو لا يرد اليوم لاعتباراته الإستراتيجية، فإن هجمات فتاكة توسع على الأغلب الحساب المفتوح".
وخلص إيفن إلى أن "الفائدة من حرب ضروس ضد الوجود العسكري الإيراني في سورية قد تكون ضئيلة قياسا بالمخاطر الكامنة فيها. كذلك ينبغي إدارة مخاطر الحرب بنظرة شاملة، تأخذ بالحسبان احتمالات الاشتعال المرتفعة في الحلبة الفلسطينية، وإمكانية أن تكون إسرائيل ضالعة مرغمةً في صدام بين إيران والولايات المتحدة. ولذلك يحظر على إسرائيل تصعيد هجماتها ضد الإيرانيين في سورية، أكثر مما هو مطلوب لاحتياجاتها الإستراتيجية. ولهذا، يبدو أن غاية إخراج كل القوات الإيرانية وحليفاتها من سورية، ينبغي أن تتركز اليوم في الملعب السياسي والإدراكي. وعلى إسرائيل أن تكون ضالعة بواسطة روسيا والولايات المتحدة في بلورة الوضع في سورية، والعمل مقابل الولايات المتحدة بأن يكون رفع العقوبات على إيران مشروط بوقف تآمر وتدخل إيران العسكري خارج حدودها".