يسود الضباب الاقتصادي والسياسي الأجواء الفلسطينية وتسود معه معضلات واختلالات وتشوهات هيكلية، جراء حالة التبعية للاقتصاد الإسرائيلي ناهيك عن تبعيات الانقسام الفلسطيني الأسود وحالة الغموض التي تسود الانتخابات الفلسطينية والتي مازالت تراوح مكانها رغم التحديات التي تواجهها القضية الفلسطينية وبالأخص فيما يتعلق بصفقة القرن , فيبدو عام 2020 عاما شبيه بالدخان الأسود الذي يخيم علي القضية الفلسطينية , فالأجواء شبيه بكتلة ضبابية سوداء اختفت من خلالها الخريطة الفلسطينية علي حائط صفقة القرن المزعوم , وجمعيها ضربات أصابت جذور القضية الفلسطينية من مجريات الانقسام الأسود الي مجريات أرجوحة الانتخابات الي كتل الضباب الاقتصادي الغامض جميعها أشبه بحدوة الفرس تمضي من اليسار لليسار دون أي تقدم يلحظ .
فالوضع الراهن شبيه بالفقاعة الاقتصادية التي تسببت بالسقم الاقتصادي نتيجة المضاربات السياسية والاقتصادية فعجلة الاقتصاد مازالت متعثرة , فالانتعاش الاقتصادي الفلسطيني أصبح حلم للفلسطينيين ناهيك عن التبعية وارتباطه بشكل أساسي بالجانب الإسرائيلي وكذلك الوضع العام شبة معزول فمعدلات الفقر والبطالة فتزايد وصعود بشكل غير مسبق , فالتهديدات الإسرائيلية بوقف تصاريح التجار والعاملين بالداخل وكذلك وقف التصدير وبالأخص الشق الزراعي جميعها قيود تتحكم في الاقتصاد الفلسطيني ويؤدي الي تراجع ملحوظ في نسبة الناتج المحلي الإجمالي وكذلك تراجعات الميزان العام , فالتحكم الإسرائيلي بشكل أساسي بالاقتصاد الفلسطيني مبنية علي خطط سياسية المستفيد الاول والأخير هو الجانب الإسرائيلي.
وبشكل عام عانى الاقتصاد الفلسطيني خلال الأعوام الأخيرة من تراجع ملحوظ في حجم المنح والمساعدات الخارجية، تفاقمت حدتها مع انقطاع المساعدات المالية الأمريكية للحكومة ووقف برامج التمويل للمؤسسات الأهلية (الأونروا والوكالة الأمريكية للتنمية)؛ الأزمة السياسية في مطلع العام الحالي والمتعلقة بتحويل إيرادات المقاصة، والتي تجبيها السلطات الإسرائيلية نيابة عن الحكومة الفلسطينية، وما نتج عنها من توقف جزئي لسداد التزامات الحكومة الفلسطينية اتجاه العاملين في القطاع العام، وتراكم المتأخرات لصالح الموردين من القطاع الخاص؛ استمرار التوسع الاستيطاني ومواصلة مصادرة المزيد من الأراضي في الضفة الغربية وعدم السماح باستغلال الموارد الطبيعية في المناطق (ج)؛ استمرار حالة الانقسام السياسي والاقتصادي بين الضفة الغربية وقطاع غزة؛ استمرار حالة الحصار والإغلاقات الجزئية للمعابر التجارية والتوترات السياسية في قطاع غزة.
يبقى الاقتصاد أيضاً عرضة لصدمة سلبية تتمثل في مزيد من التدهور في الأوضاع السياسية والأمنية، وزيادة القيود على حركة التجارة، وانخفاض حاد في حجم المنح والمساعدات لدعم موازنة الحكومة والمشاريع التطويرية، وعدم توفير التمويل اللازم لاستمرار عمل منظمات المجتمع المدني، وخاصة وكالة الأونروا، وتراجع عدد العمال الفلسطينيين في (إسرائيل). وعودة الأزمة السياسية المتعلقة بإيرادات المقاصة ووقف التصدير من الضفة لـ(إسرائيل) والخارج أيضا وبالأخص وقف استيراد المنتجات الزراعية الفلسطينية، وفقا لقرار وزير الدفاع نفتالي بينيت ويأتي هذا القرار -وفق وزارة الدفاع الإسرائيلية- ردا على المقاطعة الفلسطينية لاستيراد الماشية من الجانب الإسرائيلي منذ أشهر عدة ضمن الجهود الفلسطينية المبذولة للانفكاك الاقتصادي عن (إسرائيل). وسيناريو ما يدعي بصفقة القرن جميعها عوامل سلبية على الاقتصاد الفلسطيني 0يذكر أن قيمة صادرات المنتجات الزراعية الفلسطينية إلى السوق الإسرائيلي بلغت 88 مليون دولار في عام 2018، وهي تمثل ما نسبته 68% من حجم الصادرات الزراعية الفلسطينية للعالم البالغة 130 مليون دولار.
لذلك يجب على الحكومة الفلسطينية توحيد الجهود للنهوض بالاقتصاد وإصلاح الوضع الداخلي الفلسطيني، من خلال إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية في كافة أنحاء الوطن وتبني خطط استراتيجية وطنية مشتركة. ويتوقع في حال الاتفاق على إجراء هذه الانتخابات أن تتسارع معدلات الإنفاق الحكومي، وتتراجع حالة عدم اليقين تجاه الأوضاع الاقتصادية.
ويجب توجه الحكومة كذلك لخفض مستويات التبعية والانفكاك الاقتصادي التدريجي عن الاقتصاد الإسرائيلي، وبالتطرف الي ما يسمي بصفقة القرن نشر البيت الأبيض رؤيته المُفصّلة في 181 صفحة، مجزّأة إلى جزأين، أولهما يتصل بالإطار السياسي في 22 قسما، مع ملاحق تُوضِّح الشكل المستقبلي لخريطة الدولة الفلسطينية، والجزء الآخر هو الإطار الاقتصادي الذي نُشر سابقا.
وبمزيد من التدقيق في المضمون، تُظهِر الخُطّة تجاوزا واضحا للمرجعيات السياسية التقليدية لمسار التسوية، كقرارات الأمم المتحدة، واتفاق أوسلو، ومبادرة السلام العربية، والاتفاقيات الأخرى المُبرمة بين منظمة التحرير الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، وهو ما يُشكِّل انقلابا أميركيا تجاه حلّ الدولتين، وعلى السياسة الأميركية تجاه القضية الفلسطينية منذ عقود. وهو ما يشير، بحسب عدد من المراقبين، باعتباره انقلابا دوليا في آليات التعاطي مع القضايا النزاعية، لتتحول من السعي، ولو ظاهرا، بالتعامل معها وفق المنطق التفاوضي، باتجاه مسار الفرض أحادي الجانب.
تنص الخطة الأميركية، بصورة واضحة، على أن تكون القدس عاصمة للدولة الإسرائيلية، مُوحَّدة ودون تقسيم، في حين تكون عاصمة الدولة الفلسطينية في ضواحي مدينة القدس، مع وعود ببناء الولايات المتحدة سفارة لها فيها. كما تستند الخطة إلى نقل مدن وقرى المثلّث التي يسكنها فلسطينيون داخل أراضي الـ 48 إلى سيطرة الدولة الفلسطينية، وتأمل الخطّة "في إمكانيّة أن يتوافق الأطراف على إعادة ترسيم حدود إسرائيل بما يقود إلى أن تكون هذه المجتمعات جزءا من الدولة الفلسطينيّة"، بالإضافة إلى اقتطاع المستوطنات الإسرائيلية داخل الضفة الغربية وضمّها إلى الكيان الإسرائيلي، كما أن ربط الضفة والقطاع سيتم عبر خطوط نقل تقع تحت السيطرة الإسرائيلية، مما يجعل من أراضي الدولة الفلسطينية أشبه بجزر من يابس غير متصلة جغرافيا.
فيما يتعلق باللاجئين الفلسطينيين، تقترح الخطة أن تستوعبهم الدولة الفلسطينية عبر توسيع قطاع غزة باتجاه مناطق مجاورة للقطاع، تحديدا في صحراء النقب، مع تهيئة بيئة اقتصادية لتحسين ظروفهم وظروف سكان القطاع، في حين يَجري دمج اللاجئين الآخرين في الدول التي يقيمون فيها، وآخرين في دول إسلامية لم تُسمها الخطة.
أما فيما يتصل بالمياه الإقليمية لقطاع غزة، فستخضع للسيطرة الإسرائيلية، كما يخضع نهر الأردن لهذه السيطرة أيضا، مع السماح للفلسطينيين باستخدام الموانئ الإسرائيلية في أسدود وحيفا. الأمر الذي يُظهِر الحرص الإسرائيلي بقضايا أمن المياه، باعتبارها إحدى ركائز الأمن القومي. وامتد الأمر لإعلان الولايات المتحدة استعدادها للاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على أراضٍ محتلة كغور الأردن، وهي المنطقة التي تعهّد نتنياهو، في سبتمبر/ أيلول الماضي، بضمّها للسيادة الإسرائيلية.
لا تتوقف "صفقة القرن" عند حدود ما يتعلّق بالشأن الفلسطيني وحده، بل تمتد تأثيراتها للشرق الأوسط ككل، وتحديدا فيما يتصل بتطبيع علاقة الكيان الإسرائيلي مع الدول العربية المحيطة به، وتغيير أولويات العداء في المنطقة من الكيان الإسرائيلي باتجاه إيران، وذلك في إطار حل إقليمي لأزمات المنطقة. وكانت الإدارة الأميركية، في مستهل عام 2019، قد بذلت جهودا حثيثة لإنجاح مؤتمر وارسو، الذي عُقد في منتصف فبراير/شباط بحضور عدد من الدول العربية التي لا ترتبط بعلاقات مُعلنة مع الكيان الإسرائيلي، وذلك بمستوى تمثيل وزاري، ومشاركة إسرائيلية ودولية.
قال الرئيس الفلسطيني محمود عباس إنّ "القدس ليست للبيع، وكل حقوقنا ليست للبيع والمساومة، وصفقة المؤامرة لن تمر، وسيذهبها شعبنا إلى مزابل التاريخ"، وأجمعت مكونات الشعب الفلسطيني على وجوب العمل على إفشال صفقة القرن ولذلك إن التحدي الرئيسي يكمن في فاعلية الحراك الفلسطيني، وتحويله لخطوات تنفيذية تسير على أرض الواقع، عقب أعوام من الانقسام الأسود، وتشتت القرار السياسي الفلسطيني الناتج عن تلك التبعيات.
وأخر مستجدات ما يسمي صفقة القرن شارك رئيس دولة فلسطين محمود عباس بجلسة لمجلس الأمن الدولي حول "صفقة القرن" نيويورك 11-2-2020.
وأكد رئيس دولة فلسطين محمود عباس، في كلمته امام مجلس الامن، أن الخطة الأميركية المطروحة احتوت على 311 مخالفة للقانون الدولي، وأنها لا يمكن أن تحقق السلام والأمن، لأنها ألغت قرارات الشرعية الدولية، وسنواجه تطبيقها على الأرض.
وأضاف سيادته، أن الرفض الواسع لهذه الصفقة يأتي لما تضمنته من مواقف أحادية الجانب، ومخالفتها الصريحة للشرعية الدولية ولمبادرة السلام العربية، وألغت قانونية مطالب شعبنا في حقه المشروع في تقرير مصيره ونيل حريته واستقلاله في دولته، وشرعت ما هو غير قانوني من استيطان واستيلاء وضم للأراضي الفلسطينية.
وشدد الرئيس على وجوب عدم اعتبار هذه الصفقة أو أي جزء منها، كمرجعية دولية للتفاوض، لأنها أميركية–إسرائيلية استباقية، وجاءت لتصفية القضية الفلسطينية، وهو الأمر الذي لن يجلب الأمن ولا السلام للمنطقة، مؤكدا عدم القبول بها، ومواجهة تطبيقها على أرض الواقع.
وقال الرئيس إن السلام بين الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي لا زال ممكنا وقابلا للتحقيق، داعيا لبناء شراكة دولية لتحقيق السلام الشامل والعادل والدائم، الذي لا زلنا متمسكين به كخيار استراتيجي.
ختاما فجميع سناريوهات الصفقة تكمن في عدة محاور المحور الأول نجاح الصفقة والمحور الثاني فشل الصفقة والمحور الثالث التطبيق من طرف واحد والمرجح الرابع فشل جزئي للصفقة واستمرار الموقف الفلسطيني الموحَّد على رفضها.
التحدي الجوهري أمام الصفقة هو توحّد الموقف الفلسطيني على إجهاضها كليا، ولذلك يجب ترتيب البيت الفلسطيني الفلسطيني من الداخل، وإعادة ترتيب قيادة موحدة لمنظمة التحرير الفلسطيني، والإسراع في التحضير لانتخاب قيادة فلسطينية جديدة تتحمل المسؤولية التاريخية، خاصة السلطة الفلسطينية في الضفة، وإلا فإن الفلسطينيين سيكونون أمام انقسام لا يقل سوءًا عن انقسام 2007.فكسب الموقف الدولي يكمن في وحدة الشعب الفلسطيني والتي يمكن تحولها كنقطة قوة تاريخية في الوقت الراهن.