قائمة الموقع

مَحاكم الضفة.. قضاءٌ "أعوج" ينتقم من المقاومين

2010-10-07T10:31:00+02:00

رام الله – الرسالة

معلّقاً على أحد الجدران العفنة باحثاً عن نسمات الهواء إن مرت بقربه، تتجاذبه الذكريات فتتساقط عبراته شوقاً، تتآكله القيود فيتداعى جسده ألماً، يمزّق الظلم خلاياه فتسكنُ ملامحه قهراً.. "أوَ هكذا جزاؤنا؟".

في أحد ثنايا رام الله تضم زنازين قاتمة جسده الهزيل، يستيقظ على الشبح وينام على صوت المعذبين وتبقى صورة صاحبيه في ذهنه، ابتسامة إياد ومزاح محمد وأيامُ جميلة جمعت ثلاثتهم، حتى يصل بسلسلة الصور إلى ارتقاء روحيْهما وهجمة القريب قبل البعيد على أجسادهم وكيف كتب الله عليه أن يبقى حياً ليروي الحكاية.. "ليتني لحقت بكما.. ليتني الآن معكما".

تخدش جلسته مع نفسه أصواتُ أولئك الخائنين قادمين من بعيد وتقترب ضحكاتهم الصفراء شيئاً فشيئاً، "إلهي احمني منهم، أعوذ بكلماتك التامّات من شر ما خلقت!"، يُفتح باب الزنزانة فيدخل النور متسارعاً إلى وجهه الملتحي وجسده المعلق في زاوية عالية لا يصل الأرض أبداً، يغمض عينيه ليتفادى النور الذي لم يتنعم به منذ أشهر.. "علاء.. علاء ذياب، هيا معنا"، لم يكد يفكّر بشيء حتى قاما بفك قيوده بشدة وانتزاع الأصفاد مع ترك جروح جديدة نفر الدم فوقها بسرعة، يقتادانه عبر الممرات الطويلة وهو أضعف من أن يسير على قدميه، يجرّانه باستهزاء ويقبضان بشدة على جراحه ويصرخان به، ولكن ما عاد الصراخ يهزّه.

"مجرم"

إلى غرفة واسعة وصل تحدّق به الانظار وتشير إليه الأصابع، وخلف قضبان حديدية صغيرة أجلسوه وقيدوا رسغيه ببعضهما وأنزلوا رأسه، هناك رأى منظراً أشبه بالمحاكمة، شخص يسمي نفسه قاضيا ارتدى ثوب القضاة وآخرون يتهامسون ويتبادلون أوراقاً وملفات، ومن بعيدٍ والدته الصابرة تتفحص وجهه وتحاول الحديث إليه، فيطمئن قلبه لرؤيتها، وبسرعة بدأت الإجراءات وبعد ساعة فقط كان الحكم الجاهز يوجه إليه.. "المجرم علاء هشام ذياب، حكم عليه بالسجن لعشرين عاماً مع الأشغال الشاقة بتهمة قتل ثلاثة من رجال الأمن وحيازة أسلحة غير شرعية".

بعدها انفجرت الأم بالبكاء والدعاء معاً، وتعالت صرخاتها تملأ المكان بينما هو ساكن تماماً، لم يتفاجأ بالحكم أو يستهجن كلمات القاضي، فهو يدرك أنه يعيش في "غابة مؤقتة" يقوى فيها الباطل على الحق.. على وجه السرعة أيضاً اقتادوه عائداً إلى زنزانته واقتادوا معه النظرات العطشى للأم الباكية، "الله يرضى عليك يا علاء.. مع السلامة يمّا، ما تهتمّ احنا بخير ومشتاقينلك".. ثم غاب عنها مثقلاً بوجهها الحنون ونظراتها الحزينة، "لا بأس يا أمي، فالزمن الذي أمسى فيه سلاح المقاومة غير شرعي لا بد أن نضحي فيه، أسمعت يا محمد وأنت يا إياد؟ سلاحنا غير شرعي! هه يا لها من تناقضات".

بعد ذلك أعادوه إلى زاويته المظلمة وعلّقوه مرة أخرى إلى سلاسل بات رنينها يؤنس وحدته، عاد القيد إلى يديه وقدميه وخاصرته وهو ينظر إلى الأرض القذرة ويفكر بقراءة سورة يوسف، "هل لي بكتاب الله أقرأ بعض الآيات؟" قال بهدوء، فرد عليه أحد الحراس:" لا.. لا تحاولوا استمالة عواطفنا بمثل هذه الطلبات يا مجرمين".. كان يتوقع جواباً مثل هذا فبدأ بالتلاوة عن غيب بصوت يتعالى، ولا شك أن نظرات الحارسين تغيرت فور سماع صوته العذب، ولكن غشاوة القلب جعلتهما يخرجان بسرعة من الزنزانة ويتركان علاء وحيداً مع خالقه.. " الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِين، إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ، نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ..".

زعزعة الأمن

ولم يكن علاء الوحيد في دائرة المحاكم الظالمة التي تتبعها سلطة فتح في الضفة المحتلة بحق المقاومين، فهناك العشرات من أنصار ومؤيدي حماس تم الحكم عليهم بالسجن لفترات تتراوح ما بين ثلاثة أعوام وعشرين بتهمة زعزعة الأمن والاستقرار! وفي سابقة خطيرة تم الحكم على المواطنة ميرفت صبري بالسجن لمدة عام بتهمة إيواء مقاومي كتائب القسام في قلقيلية قبل سنة تقريباً، في وقت أضحى فيه نصرة المجاهدين والمدافعين عن فلسطين جرماً.

وبعد محاكمة علاء وعبد الفتاح شريم وزوجته، وقع الذهول على بعض أبناء الضفة لوقاحة هذه التصرفات، بينما رأى البعض أنها نتيجة طبيعية للخيانة المنظمة التي تتبعها أجهزة فتح الموالية لدولة الاحتلال.

فيقول الشاب سعيد خالد من مدينة قلقيلية لـ"الرسالة":" هذه المحاكمات كنا نتوقعها بحق المجاهدين، ومن قتل السمان ومثّل بجثته ليس غريباً أن يحاكم رفاقه المقاومين، فهذا نهجهم الذي ارتضوه لأنفسهم"، ويزيد على ذلك صديقه رامي:" ليس غريبا عليهم أن يقوموا بهذا الأمر، ولكن نقول لهم إن جولة الباطل لن تطول".

بينما توضح السيدة عائشة خليل من مدينة رام الله أنها تفاجأت لسماعها مثل هذه الاحكام، وتتابع:" عندما قرأت الخبر ظننت أنهم مجموعة من المجرمين، ولكنني عندما استذكرت الأسماء لاحظت أنهم المقاومون في قلقيلية، فبحثت أكثر عن محاكم السلطة لأجد أنها حكمت على العشرات بأحكام جائرة لا تليق إلا بوحشيتها".

نظرة خجولة

وفي ظل كل ما يحدث لأبناء الإسلام في الضفة تقف المؤسسات الحقوقية وقفة خجولة تجاههم، فهي لا تصنع شيئاً على الأرض أمام تجبر أجهزة فتح، وتكتفي بإصدار البيانات المستنكرة وذكر بعض الظروف الاعتقالية السيئة.

ومن مجمل المواقف المتواضعة تقول مؤسسة التضامن الدولي في بيان لها:" إننا كمؤسسة حقوقية ننظر بخطورة إلى الطريق التي يتم التعامل فيها مع المعتقلين السياسيين في الضفة الغربية ؛سواء تلك التي تتعلق بطريقة الاعتقال أو بما تتخذه الجهات الأمنية من إجراءات مخالفة للقانون بحق المعتقلين بعد اعتقالهم ؛ فحسب أصول المحاكمات الجزائية الفلسطينية لسنة 2001 ، فان المعتقل يتم توقيفه لمدة أربع وعشرين ساعة ، وإذا ما أريد له تمديد التوقيف لمدة ثمانية وأربعين ساعة أخرى فان الذي يتولى ذلك هو النيابة العامة بعد عرض المعتقل عليها ، وبعد ذلك لابد من عرضه على قاضي الصلح لتجري الموافقة أو عدمها بشأن تمديد التوقيف، وهي لكل فترة واحدة تكون في أقصاها لمدة خمسة عشر يوما قابلة للتمديد من قبل القاضي نفسه ،إذا كان هنالك غرض وضرورة تتعلق بمقتضيات ومتطلبات التحقيق، على أن لا تزيد في مجموعها مجتمعة على خمسة وأربعين يوما ، وإلا فيصبح لزاما وبموجب قانون أصول المحاكمات الجزائية إطلاق سراح المعتقل المحتجز لدى الجهات المختصة ( المواد 107 ، 108 ،119 ، 120 من قانون الإجراءات الجزائية رقم (3) لسنة 2001 م).

 

اخبار ذات صلة