يُصادف اليوم الثامن من مارس ذكرى اغتيال رجل الدعوة والجهاد المفكر الدكتور إبراهيم المقادمة، أحد أبرز قادة حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، وأبرز مؤسسي العمل العسكري في فلسطين.
وُصف المفكر المقادمة بأنه ظاهرة فريدة في العمل الإسلامي والجهادي، فكان يتمتع بفكر عميق وعلم غزير، وكان زاهدًا وذا بصيرة نافذة.
صاحبت شخصية الدكتور الهمة القوية في فكره وعقيدته، وكان يبعث الأمل في النفوس، ويحث على العمل بعزيمة، ويهتم ببناء الجيل المسلم جيدًا، وإقامة الدين واقعًا عمليًا في حياة الفلسطينيين.
الميلاد والنشأة
وُلد إبراهيم أحمد المقادمة "أبو أحمد" عام 1950 في مخيم جباليا للاجئين الذي هاجرت إليه عائلته من بلدة بيت دراس، ثم انتقل إلى العيش في مخيم البريج وسط قطاع غزة، وهو متزوج وأب لسبعة من الأبناء.
تلقى تعليمه الأساسي في مدارس وكالة الغوث الدولية في مخيم جباليا، وكان من الطلاب النابغين.
حصل المقادمة في الثانوية العامة على درجة الامتياز، وفي عام 1968 التحق بكلية طب الأسنان في إحدى الجامعات المصرية.
عمل طبيبًا للأسنان في مستشفى الشفاء بغزة، حتى فصلته السلطة الفلسطينية من عمله على خلفية انتمائه السياسي لحركة حماس، لينتقل بعدها إلى العمل في عيادة الجامعة الإسلامية بغزة.
التربية والدعوة
نشأ المقادمة نشأةً إسلامية، فكان للشيخ المؤسس أحمد ياسين أثر عميق في نفس المفكر، وكان مندفعًا ومتعطشًا للعمل في الدعوة والجهاد، فالتحق بجماعة الإخوان المسلمين، وكان ذا سجية إسلامية، وأسس نواة التربية على النهج الإسلامي في بيته.
أحب القراءة، فكانت زادًا له في كل لحظة، ينهل من العلم ما استطاع، ليتنقل بين الكتب في مجالات الطب والفقه والعلوم الإنسانية.
ألّف العديد من الكتب والدراسات خلال مكوثه داخل السجن وخارجه، كان من أبرزها كتاب "معالم في الطريق إلى تحرير فلسطين"، و"الصراع السكاني في فلسطين"، كما كانت له عدة دراسات في المجال الأمني.
العمل الجهادي
شكّل المقادمة برفقة عدد من قادة حماس النواة الأولى للجهاز العسكري الخاص بالإخوان المسلمين في قطاع غزة، وتولى مهمة إمداد المقاتلين بالأسلحة.
وفي عام 1984 اعتُقل للمرة الأولى بتهمة الحصول على أسلحة وإنشاء جهاز عسكري بغزة؛ حُكم على إثرها بالسجن لثماني سنوات، قضاها متنقلًا بين السجون، ثم أُعيد اعتقاله مرة أخرى ليقضي ما مجموعه عشر سنوات في زنازين الاحتلال.
خلال اعتقاله في سجن النقب اختير أميرًا لكل أقسامه، فأضاف إلى حياة السجن الكثير، حيث أسس "جامعة يوسف"، ووضع لها برامجَ ثقافية متطورة، وشكّل لجانًا لتحضير المساقات، وبدأ ورفاقه بعقد المحاضرات في مواعيد رسمية.
جعل الدكتور من السجن جامعة علمية تنظيمية، ساهمت في فتح الآفاق للكثير من الأسرى الفلسطينيين لكسب أوقاتهم وبذله في المفيد.
عقب انتهاء محكوميته وإطلاق سراحه، وصفه الاحتلال بـ"نووي حماس"، وأجمع المحللون الإسرائيليون أنه أبرز مفكري الشعب الفلسطيني الذين اختاروا المقاومة كخيار وحيد لمواجهة الاحتلال.
اعتبره الوزير الصهيوني جدعون عيزرا الذي شغل منصب نائب رئيس جهاز "الشاباك" آنذاك، أحد "أخطر الفلسطينيين" على الأمن الصهيوني.
في عام 1996م، اعتقلته السلطة الفلسطينية بتهمة تأسيس جهاز عسكري سري لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" في غزة، وأطلقت سراحه بعد ثلاث سنوات من الاعتقال، تعرض خلالها لشتى أنواع التعذيب، إلى أن وصل الأمر إلى أن يُضرب به المثل في شدة صبره على أساليب السلطة المبتكرة في التعذيب.
استشهاده
في صباح الثامن من مارس عام 2003م، استهدفت طائرات إسرائيلية بعدد من الصواريخ سيارة مدنية كانت تقل الدكتور المقادمة؛ ما أدى إلى استشهاده وثلاثة من مرافقيه، وأحد المواطنين.