د. شبير: يجب الكف عن النظرة السلبية لهم وتوفير ملاذاً آمناً
غزة- أمينة زيارة
"ابتعدوا عنهم، فلا عهد لهم، ولا تزوجوهم "فالعرق دساس" هذا لسان حال أبناء العملاء في قطاع غزة، الذين يعتبرون الحلقة الأضعف في المجتمع الفلسطيني، بعد وصمة العار التي ألصقت بحياتهم.
ذنب من!
"ما ذنبي إن كان أبي عميل ؟" بهذه الجملة عبر الشاب "م.و" عما يعتريه من ضيق، قائلا لـ "الرسالة نت " : كان أبي يغدقني بالأموال التي لا أعرف مصدرها ، حتى استيقظت في الصباح على صرخات أمي ، ووجدت والدي ملقى على باب البيت جثة هامدة والدماء تغطي جسده.
وأضاف بانكسار وألم " فشلت والدتي في إخفاء سبب مقتله عني، فقد فوجئت بأحد الطلاب في الفصل يهمس في أذن زميلي "هذا ابن العميل الفلاني" ، فوثب الطالب من مجلسه مبتعدا عني.
تفوق "م.و" في الدراسة لم يشفع عنه نظرات المجتمع القاسية التي رمقته بازدراء، وبقى وحيدا بدون أصدقاء، كما أ، نظرة مدرسيه اختلفت، فقرر الاستمرار في دراسته حتى وصل الجامعة.
صمت "م.و" والدموع تفر على وجنتيه، مشيرا إلى أن حياته لم تستمر كما تمنى، فوصمة العار طاردته داخل الجامعة، و بعد تخرجه ، وفشل بالحصول على وظيفة بسبب هذه الوصمة .
"جرم أبي"
"لم أعيش طفولتي كغيري من الأطفال فقد كنت وحيدة لا صديق ولا قريب الكل يهرب مني لأني "ابنة عميل" ، ما دفعني لعدم إكمال دراستي ."
اختفى جبلا من الهموم، والأحزان خلف تلك الكلمات التي جاءت على لسان الفتاة (ف.ع) ،مستذكرة زميلتها عندما نعتتها في الفصل "بابنة العميل".
تقول (ف.ع) لـ "الرسالة نت": شعرت بغضب شديد فلم أتمالك نفسي وهجمت عليها، وحاولت المدرسة فض الاشتباك قائلة : " شو بدنا نقول بنت عميل والعرق دساس".
ووجدت شقيقات الفتاة صعوبة في الزواج، كما أن أخيها واجه صعوبة في اختيار عروس، لأن عائلات كثيرة رفضت أن تزوجه، وفي النهاية اقترن بابن خالته.
واختتمت (ف.ع) حديثها بالقول:" هناك بعض العائلات تنظر لنا بايجابية فقد تزوجت أختي البالغة 20 عاماً من رجل متزوج يكبرها بعشرين عاماً، وأنا زوجي لا يحمل الجنسية الفلسطينية وأختي الأخرى تزوجت خارج فلسطين.
الالتزام الديني
وصمة العار التي طاردت أبناء " العملاء" دفعت الشاب "أ.ح" (22 عاما) للانتحار أكثر من مرة، لكن توسلات والدته بالاهتمام بأشقائه الصغار كانت تعيقه عن تلك الجريمة.
ومرت الأيام كالسنين على " أ. ح" بعد مقتل والده، ويعتصره الألم متسائلا لـ"الرسالة نت" :
ما ذنبي إذا كان والدي عميل؟ لماذا أعاقب بذنبه؟، ويصمت ليتابع بعزيمة وقوة: ألم بي ضعف شديد بسبب ما أواجهه، فلجأت إلى الله ،مشيرا إلى أن هذا الباب الذي أعاده للمجتمع بإرادة وعزيمة فقد نسي البعض سمعة والده.
ضحية والدهم
وعقب د. وليد شبير رئيس قسم الخدمة الاجتماعية في الجامعة الإسلامية على هذه القضية قائلا:" الأبناء ضحية لوالدهم وينظر لهم المجتمع نظرة سلبية، مشيرا إلى أن من ينظر إليهم بمنظار آخر فيتقربون لهم ويصادقونهم أو يصاهرونهم (...) ، لكن تبقى النظرة السائدة هي نظرة سلبية لأنهم "أبناء عملاء."
وأشار د. شبير إلى إن هذا الوصمة تدفع الأبناء خاصة إذا كانوا في سن الشباب إلى العزلة الاجتماعية عن المجتمع، وأن يفقدوا الثقة بأنفسهم وقدراتهم ، ويصيبهم القلق والتوتر النفسي الذي يدفعهم للانتحار، لاسيما إن لم يكن لديهم الوازع الديني وعدم الثقة بالذات.
ونوه أن تلك المعاملة يمكن أن تدفع الأبناء إلى التعامل مع العدو والسير على درب والدهم إذا همشهم المجتمع، وأصبحت علاقتهم تصبح محصورة ومنغلقة على أنفسهم خجلاً من السمعة السيئة ونظرات العار التي تلاحقهم .
العرق دساس
وأشار رئيس قسم الخدمة الاجتماعية إلى أن الإناث هن أكثر ما يواجهن هذا النظرة السيئة ، فالمجتمع يرفض الزواج منهن، لأن البعض يعتقد أن "عرقهن دساس" ، وستبقى مكسورة الجناح وتتعرض للمعايرة إذا تزوجت، ما يؤدي إلى ضعف شخصيتها وعدم قدرتها من الدفاع عن نفسها.
ورأى د. شبير أن أبناء العملاء قد يسلكون أحد المسلكين الاجتماعيين وهما إما السلوك الإنحرافي لعدم قدرته على مواجهة هذا الواقع ، أو سلوك ايجابي للذين يدركون خطورة ما ارتكبه آباءهم فيعملون على تغيير الصورة السيئة واستبدالها بصورة حسنة من خلال التزامهم الديني وانخراطهم في العمل الوطني .
وأكد شبير أن هذه النظرة السلبية يمكن علاجها بتوعية المجتمع بكافة الوسائل من خلال البرامج المتلفزة ووعاظ المساجد وتوعية الشباب في الجامعات بأن هؤلاء الأبناء لا ذنب لهم وعلينا أن نحترمهم ونفتح أمامهم كافة المجالات الاجتماعية.
أبناء العملاء لا ذنب لهم بالوحل الذي غرس به أقدام آبائهم، فالي متى سيرمقهم المجتمع بنظرات العار الحادة.؟
الرسالة نت