وسط حالة الخوف التي لازمت فيروس كورونا المستجد، بعد انتشاره في معظم دول العالم، ومن بين آلاف المتعافين، هناك تجارب حاربت هذا "العدو غير المرئي"، كانت فرحتهم بالتعافي لا تُوصف، حين رأوْا أخيرًا أن "بصيص الأمل" الذي تمسكوا به، كان قشة النجاة ليس لهم فقط بل ولمن سَمعوا تجاربهم.
محمد أبو ناموس (39 عامًا)، فلسطيني، وهو أحد المتعافين من فيروس كورونا المستجد، يروي تجربته مع المرض، ويومياته في الحجر الصحي، ومراحل العلاج التي مر بها.
"أبو ناموس" أحد سكان قطاع غزة، يقيم منذ عامٍ ونصف في مدينة ووهان الصينية بؤرة انتشار الفيروس عالميا، بهدف الدراسة، اشتبه بإصابته بالفيروس، في 28 من يناير/كانون الثاني الماضي، وتم وضعه في الحجر الصحي وبعد أسبوع ظهرت عليه الأعراض وتم التأكد من إصابته بـ "كورونا"، لتستمر رحلته مع الفيروس حتى 5 من مارس/آذار الجاري.
لم يكن سهلًا على "محمد" العودة بذاكرته إلى أيامٍ مضت حملت فيها مرحلة صعبة، بدا ذلك جليًا على صوته وهو يسرد الحكاية، تخيّل أن تكون في غرفة لا تخرج منها لأيامٍ متواصلة، لا يزورك أحد، تكون فيها غريبًا عن حياتك الطبيعية، تُراقب أبسط تصرفٍ منك ليس طواعية وإنما أمر قسري لتنجو.
أو أن تنام في "قبر" على هيئة صندوق بلاستيكي لعدة أيام؟ لا تعرف هل أنت حيّ فعلًا؟ تخاف أن تبكي كي لا تضعف أكثر مما أنت عليه، المهم هو أن تقاوم لتخرج من هذا الصندوق بـ "سلام وعافية".
يقول "محمد": "تعاملت مع الفيروس في بداية الأمر كأي شابٍ عربي بسخرية واستهزاء، وبمنظور أنه كالانفلونزا، يعني كورس علاج وينتهي الأمر، لكن عندما أصبت به تأكدت أنه ليس عاديًا، بل هو من الفيروسات الخطيرة وأعراضه حادة وقد تكون قاتلة".
وفي سؤالي هل فكرت بالعودة إلى قطاع غزة، هربًا من الفيروس؟، ردّ: "لم أفكر بالعودة غزة لا قبل إصابتي بالفيروس ولا حتى بعده، رغم صعوبة ذلك، فالإنسان أحوج ما يكون لعائلته وهو مريض، والتفكير بأنك ربما ستموت بالغربة أمر مؤلم للغاية".
أسباب "محمد" للبقاء في مدينة ووهان، بؤرة انتشار الفيروس وعدم العودة إلى قطاع غزة، كثيرة منها: الحفاظ على سلامة الشعوب العربية والأهل، وعدم نقل العدوى لهم، في ظل محدودية الإمكانيات الطبية لمواجهة فيروس جديد ومتطور.
وتابع بشرح أسبابه وفي لهجته شيء من الامتنان: "قبل إصابتي وبعدها، كان في داخلي صوت يُردد: لا يعقل أن نأكل من خير الصين في قوتها، وعند ضعفها ندير ظهورنا لها".
يوميات في الحجر..
والحجر الصحي المنزلي، هو العزل وهدفه الحدّ من نقل المرض المعدي ونشره، يكون عادةً للأشخاص المشتبه إصابتهم بالفيروس، وهذا تم اتباعه في مدينة ووهان خصيصًا نظرًا للأعداد الكبيرة التي أُصيبت بـ "الكورونا" وامتلاء المشافي بالمصابين.
وتجذر الإشارة إلى هذه المدينة تحتوي على 30 مستشفى مُجهزة بتقنيات عالمية عالية، ومع ذلك لم تتسع لأعداد الأشخاص المؤكد إصابتهم بالفيروس، كما يُحدثنا "أبو ناموس".
"تلبك معوي، آلام شديدة بالرأس، حرارة مرتفعة".. هذه الأعراض ظَهرت على "محمد، بعد أيام من تأكد إصابة أحد أصدقائه بالفيروس، لكنّه في البداية عزا هذه الأعراض لـ "إجهاد السفر".
وضمن الإجراءات الوقائية، خضع "أبو ناموس" للحجز الصحي بإحدى مشافي مدينة كوانجو، من 28/ يناير الماضي، حتى 2/فبراير.
وخلالها، لا يكون هناك اتصال مباشر بينك وبين الآخرين، أنت مسؤول عن نظافة المكان بشكلٍ جيد ومتقن، بحيث تعمل على تنظيف أماكن الصرف الصحي، وغسل ملابسك بنفسك، وتنظيف الأواني والأدوات التي تسخدمها، وتعقيم كل "شاردة وواردة" في المكان وفقًا للمعايير الطبية.
وتمر أيام الحجر ثقيلة، بمزاجٍ متقلب، تشعر بأنك وحيد في هذه الحياة، الصباحات روتينية، والإجراءات الوقائية أقرب لـ "الهوس"، وبدلًا من أن تستفتح نهارك بـ "صباح الخير"، تسأل "ها شو الأخبار؟ طرأت تغيرات جديدة؟ كيف حرارتك؟".
يقول "أبو ناموس": " خلال أيام الحجر، راودتني العديد من الأفكار والهواجس، من احتمال إصابتي بهذا الفيروس، والذي وصفته وسائل إعلام بأنه قاتل وسريع الانتشار".
وتكون الحالة النفسية للمريض خلال فترة، سيئة للغاية، يتعرض خلال هذه الفترة لضغط نفسي يختلف من حالة لأخرى، كذلك هو معرض للنسيان، القلق، والتوهم، القولون العصبي، الاكتئاب، إضافة لفقدان الشهية.
ولنظرة الناس الخاطئة للفيروس، تأثير كبير على نفسية المريض، وفق "أبو ناموس"، فقد تزداد حالته النفسية سوءًا فيُصبح عدوانيًا وانطوائيًا.
أعراض الإصابة
في مساء يوم 2 فبراير الماضي، ظهرت عدة أعراض مفاجئة على صحة "ضيف سند"، وكانت عبارة عن حرارة مرتفعة، وآلام لا تحتمل في الرأس، وآلام في الرئة وصفها بـ "أشبه بانغراس أدوات حادة بها".
هذه الأعراض وغيرها، دفعت "محمد" للاتصال مباشرة بالجهات المختصة، وقاموا بإجراء فحص شامل ليتأكد إصابته بالفيروس وتم على إثره نقله إلى المستشفى لتلقي العلاج.
في اللحظات الأولى التي تأكد "محمد" من إصابته بالفيروس، سيّطرت عليه حالة ضعف شديدة، وأكل القلق تفكيره، تساءل كيف في لحظة تنقلب الحياة رأسًا على عقب؟ وتتحول الرحلة الممتعة إلى كابوس يُطادر صاحبه؟ لكنّه لم يستسلم وقرر أن يكون قويًا لتخطي هذه المرحلة.
"الصندوق.. الأشبه بالقبر"
تختلف الإجراءات في الحجر الصحي داخل المستشفيات الحكومية، عن الحجر المنزلي، بحيث يمكن للمريض أن يكون برفقة آخرين مصابين أيضًا، لا خوف حينها على نقل الفيروس لأن الجميع مصاب ويتم علاجه وفق آلية محددة.
خلال الأيام الأولى لعلاج "محمد" في المستشفى، وُضع داخل صندوق بلاستيكي لعدة أيام، لا يخرج منه أبدًا حتى يظهر على جسده، مؤشرات استجابة للعلاج.
تسربت تنهيدة من صوته وهو يصِف حالته داخل الصندوق: "النوم داخل الصندوق أسوء شعورٍ مررت به، حتى التفكير به وتذكره صعب ومؤلم، في تلك اللحظات تحديداً الكون على اتساعه كان ضيقًا في نظري، كنت أسأل نفسي، هل أنا حي فعلًا؟".
مرّت الأيام بما تحمله من ثِقل وخوف من هذا الفيروس، ليخبر الأطباء أخيرًا "محمد" بتعافيه، وخروجه من الحجر الصحي والعلاج، إلى مرحلة ما بعد التعافي.
ويتم فحص المريض في هذه المرحلة، ثلاث مرات، بحيث يكون الفحص مرة كل ثلاثة أيام، ليتم التأكد من خلو جسده تمامًا من الفيروس، ثم يخضع للمراقبة لأسبوعين آخرين، خلالها يتم إيقاف العلاج، والفحص المتكرر، مع التزام نظام غذائي صحي.
نصائح ناجٍ من "الكورونا"
"لا تجوع ولا تبرد".. فهما يؤثران بشكلٍ كبير على الجهاز المناعي للإنسان، لذا حافظ على نظام غذائي جيد مع ممارسة الرياضة، وشرب الماء الدافئ والتمسك بفكرة "أن هذه المرحلة ستمر، بأقل الخسائر لو أخذنا بالأسباب".
وفي ختام حوارنا مع أحد محاربي هذا الفيروس، وجّه "أبو ناموس" رسالة لكل من سيقرأ هذه الحروف قائلًا: "الاستسلام للمرض هو موتك، والخوف منه وسيطرته عليك هو موتك، العلاج النفسي والإيمان بالله والتمسك بالأمل مهما كان ضئيلًا، هو السلاح الخفي الذي ساعدني على تخطي مرحلة الإصابة والتماثل للشفاء بأقل خسائر نفسية ممكنة".
وحتى اليوم الأحد، أصاب فيروس كورونا قرابة 150 ألفًا في 135 دولة وإقليما، توفي منهم نحو 5833، أغلبهم في الصين وكوريا الجنوبية وإيطاليا وإيران.
وأدى انتشار الفيروس إلى تعليق رحلات جوية، وحظر تجوال، وتأجيل وإلغاء فعاليات رياضية وسياسية واقتصادية حول العالم، وسط جهود دولية متسارعة لاحتواء المرض.
وكالة سند للانباء