يراهن كثيرون اليوم على توافر علاج فاعل أو لقاح يجنبنا الإصابة بفيروس كورونا المستجد. أما الوقائع العلمية فتشير حتى تاريخه إلى أن لا بديل عن التباعد الاجتماعي للحد من تفشي الوباء.
يصعب تصديق كم تغيرت حياتنا في غضون أسابيع قليلة. مع الأضرار الاقتصادية غير المسبوقة التي نعيشها، ندرك جميعًا أن نهاية هذا الكابوس العالمي لا يمكن أن تكون قريبة. أما السؤال الذي يحير الملايين هو: كيف نوقف زحف كوفيد-19؟
علاج ولقاح
لا بد من الاعتراف بأن العثور على علاج سيستغرق بضعة أشهر ولن يوقف انتشار الفيروس المستجد. إذا ظهر علاج، قد يقلل من الخوف من وقوع إصابات جماعية والحد من إرهاق نظام الرعاية الصحية. لذلك نأمل في العثور على علاج يقلل بشكل كبير من أعراض الجهاز التنفسي أو يقصر متوسط الإقامة في وحدة العناية المركزة.
كذلك، سيستغرق إنتاج لقاح فاعل بين 12 و18 شهرًا، وبمجرد تحديد الهدف يجب على الباحثين تطوير اللقاح وتحسينه، وإثبات سلامته في البشر، والحصول على الموافقة التنظيمية، وأخيرًا تصنيعه بكميات كبيرة. بالتالي، لن يكون اللقاح جاهزًا في الأسبوعين المقبلين لإنقاذنا من الموجة الحالية للفيروس المستجد. وقد لا يكون جاهزًا لمنع "الموجة الثانية" المخيفة في الخريف، كما حدث في جائحة إنفلونزا عام 1918.
كيفية عمل اللقاح
حققت اللقاحات نجاحًا ملحوظًا في الطب، ما أدى إلى تبديد الأمراض التي ابتلي بها الناس قرونًا عدة. وهكذا، يتزامن البحث عن لقاح عالمي مع بحث المختبرات العالمية في الفروق الدقيقة للبنية الفيروسية في محاولة للعثور على جوانب هذه الميكروبات التي تقاوم التغيير.
عادةً، يغزو الفيروس الجسم عند استنشاقه أو لمس سطح ملوث ثم لمس الوجه. ويصيب أولًا الخلايا المبطنة للحلق والممرات الهوائية والرئتين، ويحولها إلى "مصانع لفيروس كورونا"، التي تنتج أعدادًا هائلة من الفيروسات الجديدة لتصيب خلايا أكثر.
يتعرف الجهاز المناعي على الفيروس باعتباره غازيًا غريبًا، ويبعث إشارات للجسم حول وجود أمر مريب، من خلال إطلاق مواد كيميائية تسمى السيتوكينات. وتسبب هذه السيتوكينات آثارًا جانبية سيئة بما في ذلك الحمى والسعال. بالنسبة إلى معظم الناس، تستمر هذه المرحلة عادةً مدة أسبوع تقريبًا، وعند هذه النقطة يكون الجهاز المناعي قد حارب الفيروس وخفت الأعراض.
يعمل اللقاح بنفس الطريقة عن طريق الحصول على استجابة مناعية دون التسبب في المرض. وتقدم اللقاحات، بأشكالها المختلفة، إلى جهاز المناعة المضيف في محاولة لتحفيز الاستجابة المناعية نفسها دون التسبب في أعراض العدوى، ما يُعرف بالعدوى الأولية.
تطور الفيروس
مع ذلك، إذا ظهرت سلالة جديدة من الفيروس لم يتعرف عليها الجهاز المناعي من قبل، سيتعين على جهاز المناعة المضيف أن يبدأ من نقطة الصفر في مهاجمة هذا العامل الممرض.
تتطور الفيروسات أسرع بعدة مرات من البشر، ولديها القدرة على إعادة ترتيب الجينوم الخاص بها لزيادة بنية البروتينات والعلامات الأخرى على تركيبها الخارجي.
بفعل ذلك، تصبح غير معروفة فعليًا لجهاز المناعة. لذلك، نحن مطالبون بتحديث لقاحات الإنفلونزا باستمرار من سنة إلى أخرى لتتناسب مع السلالات الحالية والمحتملة الخطيرة للفيروس.
مع أخذ هذه المعلومات عن صعوبة انتاج لقاح في الاعتبار، يثير تفشي فيروس كورونا المستجد، سؤالًا حول ما إذا كانت اللقاحات الشاملة للفيروسات التاجية ممكنة.
تُعتبر بروتينات السنبلة الهدف لجهود تطوير اللقاح الحالية. وهذه البروتينات تعمل مثل مدخل الخلية البشرية. وبعد أن يرتبط البروتين المرتفع بمستقبلات الخلايا البشرية، فإن الغشاء الفيروسي يندمج مع غشاء الخلية البشرية، ما يسمح لجينوم الفيروس بدخول الخلايا والبدء في الإصابة.
جهود علمية مرتبطة باللقاح
تعاونت مختبرات مدرسة الطب في دارتموث، والمركز الطبي بجامعة فاندربويلد، في عام 2017، لتوصيف بنية بروتين السنبلة قبل أن يرتبط بخلية مضيفة. وسيضمن هذا التوصيف إمكانية صنع لقاحات توفر مناعة ضد سلالات متعددة - بما في ذلك السلالات المستقبلية - من الفيروسات التاجية.
كما لجأ الباحثون إلى تكنولوجيا الجسيمات النانوية لإدخال لقاحات تحتوي على العديد من المستضدات الفيروسية. وتمتلك اللقاحات القائمة على الجسيمات النانوية مزايا مقارنة بالأشكال الأخرى من اللقاحات التي تشمل الفيروسات الحية.
في عام 2014، طورت مجموعة من جامعة ماريلاند بالاشتراك مع شركة "نوفافاكس" للتكنولوجيا الحيوية لقاحًا تجريبيًا يعتمد على الجسيمات النانوية تم إثبات أنه يتمتع بإمكانات مناعية ضد سلالتي "سارس" و"ميرس".
في هذه الحالة، أثبت الباحثون أن الجسيمات النانوية التي تحتوي على مستضدات الفيروسات التاجية كانت فاعلة في تطوير استجابة الأجسام المضادة.
مناعة القطيع
توقف مناعة القطيع انتشار أي وباء فيروسي بغضون 3 إلى 6 أشهر، لكنها عادة ما تولد انعكاسات سيئة؛ إذ إن تحقيق مناعة القطيع يتطلب إصابة ما يصل إلى 70 في المئة من السكان بالفيروس. يتحقق هذا النوع من المناعة عادةً مع الإنفلونزا الموسمية في كل عام في الولايات المتحدة، لأن نحو 62.6 في المئة من سكانها يحصلون على لقاح الإنفلونزا.
إلا أن تطبيق هذا السيناريو مع كوفيد-19 ستكون نتائجه وخيمة، فإصابة 70 في المئة من السكان سينعكس سلبًا على البنية التحتية للرعاية الصحية. وقد أظهرت دراسة نشرتها جامعة "إمبريال كوليدج في لندن" أن افتراض وفاة 1 من 70 في المئة من الأميركيين المصابين يعني 2.3 مليون حالة وفاة.
التباعد الاجتماعي
بالنظر إلى المعطيات المذكورة آنفًا، يبقى التباعد الاجتماعي الخيار الأفضل، وقد أدركت الحكومات في جميع أنحاء العالم هذا الأمر، فشرعت في برامج التباعد الاجتماعي الجذرية للحد من انتشار الوباء. وقامت بعض الدول مثل سنغافورة وتايوان وكوريا الجنوبية، بوضع مخطط حول كيفية السيطرة على تفشي المرض.
وجدت الدراسات خارج الصين وسنغافورة وإيطاليا أن 86 في المئة من المرضى المصابين بفيروس كوفيد-19 لم يتم تشخيصهم، ويمكن أن نربط 50 في المئة من الحالات الجديدة إلى الاتصال بأشخاص لا يعانون من أي أعراض.
يبقى أن نقول في النهاية إن الهدف من التباعد الاجتماعي هو تسطيح المنحنى، لمنع نظام الرعاية الصحية من الوصول إلى عتبة حرجة تعاني فيها وحدات العناية المركزة من الضغط الهائل، وتُفقد فيها أجهزة التنفس.