لم يكن خبر اعتقال الستيني عمر البرغوثي "أبو عاصف" فجر اليوم غريبا، فهذا الشيخ الثائر وعائلته هدفا للاحتلال الإسرائيلي منذ بدايته، فقد أمضى داخل الزنازين أكثر من ربع قرن ومعروف بين الأسرى بالمقاتل العنيد، فهو من يرفع معنويات الجدد منهم ويردد أمامهم شعاره المعروف "المعنوية عالية والمسكوبية واطية"، ويقصد بالمسكوبية "سجن إسرائيلي في مدينة القدس".
الشيخ أبو عاصف ربى أولاده برفقة زوجه الصابرة "سهير" على حب الوطن والتضحية، فابنه صالح الذي استشهد في ديسمبر 2018 بعد مطاردة جنود الاحتلال له عدة أيام بعد تنفيذ لعملية "عوفرا" البطولية، ولديه ابنه "عاصم" الذي يتنقل من سجن لآخر، واليوم اعتقل برفقته ابنه الصغير "محمد".
ويأتي اعتقال الأب الثائر استمرارا لنهج الاحتلال في تنفيذ سياسة العقاب الجماعي بحق عائلة البرغوثي التي تتعرض له منذ عدة عقود، عدا عن هدم منزلين لهما العام الماضي.
عملية الاعتقال الأولى لأبو عاصف كانت سنة 1978 برفقة شقيقة نائل وهو عميد الاسرى الان، وابن عمهما فخري، حيث قام ثلاثتهم بقتل أحد المستوطنين، وسرعان ما ألقي القبض عليهم وحكم عليهم بالسجن المؤبد، كان الثلاثة مثلهم مثل أغلب المواطنين الفلسطينيين المحافظين في تلك الأيام من مؤيدي حركة فتح ومناصريها، ومن المتأثرين بالمقاومة المسلحة التي كانت تقودها حركة فتح آنذاك.
أطلق سراح أبو عاصف في صفقة التبادل مع الجبهة الشعبية القيادة العامة عام 1985م، ولعل نوعية الأسرى الذين حرروا في تلك الصفقة مثل الشيخ أحمد ياسين وأبو عاصف ودورهم في الانتفاضة الأولى وما بعدها جعل الصهاينة يندمون على تلك الصفقة، ودفعهم للتشدد في كل الصفقات التالية.
يعرف عن الشيخ الثائر مواقفه الوطنية، فدوما يقف في الفعاليات المختلفة وقفة رجل وطني لا يتحدث باسم أي فصيل بل من أجل فلسطين وابناءها يحث الناس على الالتفاف حول قضيتهم ودرء مشاكلهم الحزبية والتفرغ لمواجهة انتهاكات الاحتلال المستمرة.
بمجرد أن تذكر اسم "عمر" أو "أبا عاصف" سرعان ما يلحقونه أهالي الضفة المحتلة لاسيما قرية كوبر التي قطنها، بأنه ابن الحاجة "فرحة" رحمها الله، فهو رضع منها حب الوطن، فيصفها كل من لحق بها بصرخة فلسطين أمام أبواب الصليب الأحمر، وكانت دائماً ما تُغنّي لفلسطين وللأسرى والوطن، دهرا أمضته على أبواب المقرات الأممية، وهي تطالب بالإفراج عن الأسرى، انتقلت لجوار ربها دون أن يقف أولادها أمام قبرها، وقبل ذلك أمام قبر أبيهم.
صبرت "أم عاصف" وتحملت الكثير من ظلم الاحتلال عند اعتقال زوجها، ففي احدى المرات حاول المحققون الإسرائيليون الضغط على "أبا عاصف" حين تم اعتقال زوجه في زنازين المسكوبية لابتزازه لكنه بقي قويا كونه لم يعرف الانهيار أمام السجان قط، لكن الاحداث التي عاشها الأب دفعت الأبناء ليسلكوا ذات الطريق، لاسيما ابنه عاصم المحكوم 12 عاما قضى منهما حوالي ست سنوات، كونه حاول أسر أحد المستوطنين.
وبسبب هدم الاحتلال لبيت أبو عاصف فكان دوما يوجه رسالته للجنود "هدمتم الحجارة، ولن تهدموا عزيمة العائلة ولا حتى البلدة".
ويعاني "أبو عاصف" من مرض القلب ومشاكل صحية أخرى مزمنة حيث أجري له خلال العامين الماضيين عمليات جراحية عدة، وهو بحاجة إلى رعاية صحية خاصة، حيث يتناول في اليوم الواحد عشر حبات دواء، الأمر الذي يضعه في دائرة الخطر في ظل اتساع انتشار فيروس (كورونا) لدى الاحتلال، وتسجيل إصابات بين سجانيه.