تيرينس إنجلش هو جراح بريطاني مشهور. أجرى أول عملية زراعة قلب ناجحة في المملكة المتحدة في عام 1979.
عمل إنجلش رئيسًا لكلٍ من كلية الجراحين الملكية والرابطة الطبية البريطاني، وهو أستاذ في كلية كامبريدج سانت كاثرين. حاز على رتبة فارس تقديراً لإنجازاته الجراحية في عام 1991.
كان بإمكانه عندما تقاعد قبل عشرين عاماً محملاً بدرجات الشرف، أن يتمتع بالراحة ويكرس نفسه لأعمال البستنة في منزله بأوكسفورد، ولكن بدلاً من ذلك، توجه نحو قطاع غزة.
شارك، في بادئ الأمر، في تأسيس برامج تدريبية للأطباء الفلسطينيين في الرعاية الأولية للإصابات، وساعد هو وزملاؤه الجراحون، منذ ذلك الوقت، في تأسيس مشاريع طبية مختلفة، وفي تدريب الأطباء المحليين.
وما زال أحد هذه البرامج البالغة الأهمية يساعد مئات الأشخاص الذين بحاجةٍ إلى العمليات الجراحية المعقدة لزراعة الأطراف الصناعية.
كان العديد من هؤلاء المرضى من المراهقين والشباب الذين أطلقت قوات الأمن الإسرائيلي الرصاص على أقدامهم بينما كانوا يشاركون في مسيرات العودة الكبرى على طول السياج الحدودي الذي يحيط بسكان قطاع غزة الذين يبلغ عددهم مليوني مواطن.
قُتل على الأقل مائة وتسعين شخصاً بالرصاص خلال عدة شهور من المظاهرات الأسبوعية، قُتل ثمانٍ وستين شخصاً منهم على الأقل في الرابع عشر من مايو لعام 2018، عندما احتج آلاف الأشخاص من قطاع غزة ضد فتح السفارة الأمريكية في مدينة القدس.
قرر إنجلش، والذي يبلغ من العمر الآن سبعًا وثمانين عاماً، الحديث علناً لأول مرةٍ وذلك في الذكرى الثانية على بدء هذه المظاهرات، وفي ظل ازدياد تعقيد وبؤس الوضع في قطاع غزة أكثر من أي وقتٍ مضى بتفشي فيروس كورونا.
يقول الجراح البريطاني إنه يتواصل بشكل جيد مع وزراء كبار في الحكومة البريطانية في السنوات الأخيرة بشكلٍ كافٍ مما يتيح الفرصة له لنقل مخاوفه لهم بشكلٍ خاص، مشيرَا بأن جهوده لم تؤت ثمارها بعد، مصرحًا لميدل إيست آي:" يُمثل قطاع غزة الآن أزمة إنسانية حرجة."
وبدأت هذه المظاهرات في الثلاثين من مارس لعام 2018 في قطاع غزة، عندما دعا الصحفي الفلسطيني أحمد أبو ارتيمة اللاجئين الفلسطينيين للتجمع السلمي بالقرب من السياج للمطالبة بحق العودة إلى الأراضي التي أُجبروا على الفرار منها أو الطرد خلال الأحداث التي أدت إلى تأسيس "إسرائيل" في عام 1948.
رد الإسرائيليون بعنف على حد قول إنجلش، مضيفًا: " كان هناك أعدادٌ كبيرةٌ من الإصابات عندما بدأت المظاهرات على الحدود."
“أطلق القناصة الإسرائيلية النار على منطقة الركبة للمراهقين والشباب باستخدام رصاصاتٍ فائقة السرعة." ويصف إنجلش خلال حديثه الإصابات المرعبة التي استهدفت تهشيم العظام والأنسجة بجانب قتل آخرين.
قالت "إسرائيل" بأنها كانت تحمي السياج من متظاهرين وعسكريين استخدموا العنف إلا أن إنجلش يقول إن الأشخاص الذين ساعدهم كانوا يشعرون بالغضب ومع ذلك كانوا متظاهرين سلميين.
يقول:" كان من المفترض أن تكون المظاهرات في الضفة الغربية وقطاع غزة للاحتجاج والمطالبة بحق العودة، وهو حاجةٌ ملحة خاصة في قطاع غزة. الآن، بات هناك أعدادٌ كبيرة من الفلسطينيين العاجزين."
يحتاج الذين أجروا عملية ناجحة إلى ستة شهورٍ على الأقل قبل أن يصبحوا قادرين على المشي مرةً أخرى، وهناك قائمة انتظارٍ طويلةٍ ممن يحتاج لهذه العملية.
لا يُعتبر العديد منهم محظوظين. يقول إنجلش:" كانت الطريقة الوحيدة للعديد من الحالات الأخرى لتجنب شهور البؤس والعذاب هي إجراء عمليات بتر للأطراف."
*من الصعوبة معرفة عدد الذين يحتاجون الجراحة بشكلٍ دقيق ولكن التقديرات تُشير إلى أنه قد أُجريت هذه العملية لخمسمائة شخص، وينتظر سبعمائة شخصٍ آخرون العلاج.*
ويُعدّ هذا إنجازاً استثنائيًا في قطاع غزة، نظراً لوضع الخدمات الصحية هناك.
يقول إنجلش:" يُعد الحصار أول مشكلةٍ تُصعب توفير الموارد الطبية الضرورية. أما المشكلة الثانية فهي مساهمة الصراع في تدمير الكثير من البنية التحتية. لا يمكن الاعتماد على مولدات الطاقة التابعة للمستشفيات، ونسبةً كبيرةً من المياه غير صالحةٍ للشرب، والإمدادات الطبية شحيحة."
*يستذكر إنجلش سؤالًا وجهه قبل سنواتٍ عديدة للدكتور يوسف أبو الريش، وكيل وزارة الصحة في غزة عن الفجوات الخطيرة التي تحتاج لمعالجة في تقديم الرعاية الطبية، ضحك أبو الريش وأجاب:" كل شيء!"*
لا يزال الحصار الذي تفرضه "إسرائيل" على قطاع غزة متواصلا منذ أن استولت حركة "حماس" عليه في عام 2007، بعد فوزها في الانتخابات التشريعية وإقصاء حركة "فتح" التي يتزعمها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس عن الحكم خارج القطاع الساحلي، وذلك بعد اشتباكاتٍ عنيفةٍ بين الفصائل المتصارعة.
يعتقد إنجلش الآن بأن تهديد فيروس كورونا، ومع تسجيل حالاتٍ في المنطقة، يجعل الحاج
ة إلى رفع الحصار أكثر عُجالةً، ويقول:" هناك تخوفاتٍ من استحالة السيطرة على الفيروس وبالتالي وقوع تداعيات كارثية لانتشاره في قطاع غزة؛ حيث كثافةً سكانيةً كبيرة في منطقةٍ ضيقةٍ، وأيضاً وجود الخدمات الصحية تحت ضغطٍ هائلٍ بالفعل. سكان قطاع غزة أكثر عرضةً للخطر؛ ويعيشون في منطقة مكتظة للغاية وليس هناك سبيل لعزل أنفسهم بشكلٍ فعال."
*يعتقد إنجلش بضرورة بأن على الحكومة البريطانية بذل المزيد من أجل الفلسطينيين، وذلك لمسؤوليتها التاريخية عن وعد بلفور في عام 1917، الذي تعهدت فيه بدعم تأسيس وطنٍ لليهود في فلسطين.*
يقول إنجلش: "يوضح البند الأخير من وعد بلفور بأن لا يمس توفير وطن قومي لليهود في فلسطين بـ (الحقوق المدنية والدينية للمجتمعات غير اليهودية الموجودة في فلسطين) ولكن من الواضح أن هذا ما لم يحدث، أشعر بالحزن لعدم وفاء بريطانيا بالتزاماتها ومسؤولياتها تجاه الفلسطينيين."
رسالة إنجلش كانت واضحة:" علينا الضغط على أعضاء البرلمان لدينا لدعم شعب غزة، وعلى بريطانيا أن تتحمل المسؤولية."
*يعتقد إنجلش أن إحدى الطرق التي يمكن للحكومة البريطانية المساعدة بها هي التحدث إلى حركة "حماس"* مع وضع غايةٍ نهائيةٍ وهي إعادة بناء قيادةٍ موحدة قادرة على تمثيل جميع الفلسطينيين في مفاوضات مدعومة دوليًا مع "إسرائيل".
يقول إنجلش:" يُعد إنهاء دائرة الصراع والمعاناة التي شهدناها خلال الخمسين عاماً الماضية من مصلحتنا ولصالح الشعبين".
وتتطلب حركةٌ مثل هذه شجاعةً دبلوماسية وسياسية بما أن الجناح العسكري لحركة "حماس" يُصنف كمنظمة إرهابية محظورة في المملكة المتحدة منذ عام 2001.
تصف الحكومة البريطانية سياستها تجاه فلسطين بأنها تدعم إقامة " سلام عادل بين دولة فلسطينية ديمقراطية ومستقلة وبين "إسرائيل"، على أساس حدود عام 1967، وإنهاء الاحتلال بالاتفاق".
*لكن يتخوف إنجلش من كون هذه السياسة في خطر بسبب تفوق الأحداث عليها؛* حيث يُهدد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والذي شجعه دعم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب له والمكائد السياسة الداخلية التي يبدو بأنها ستُبقيه في منصبه، بمزيدٍ من تقويض الاحتمالات لأي اتفاقيةٍ مستقبليةٍ ذات مغزى- ومعاناة الفلسطينيين مرةً أخرى.
يقول إنجلش:" لا محال بأن الخدمات الصحية تعتمد على السياسة، يعتقد نتنياهو أن بإمكانه مع بقاء ترامب في منصبه أن يفعل ما يحلو له بشكلٍ أو بآخر، ويهدف مع عودته إلى السلطة أن يضم ما تبقى من الضفة الغربية."
تاريخ النشر: 30/3/2020
المصدر: ميدل ايست آي