عادة ما ينظر مشجعو كرة القدم إلى نجومهم المفضلين في وضعهم الحالي وما يتمتعون به من مميزات على كل الأصعدة، خاصة ما يتعلق بالمادية منها، لكنهم يتناسون أن وراء هذه الصورة مسيرة من التحدي والمثابرة لتحقيق النجاح.
كيفن دي بروين نجم مانشستر سيتي، يu]~ أحد اللاعبين، الذين تنطبق عليهم عبارة "من رحم المعاناة يولد الأمل"، بالنظر إلى ما شهدته حياة اللاعب البلجيكي منذ نشأته وصولا لنجوميته الحالية.
وفي التقرير التالي نستعرض لكم رحلة دي بروين، والصعوبات التي واجهها من أجل الوصول إلى ما كان يحلم به، بأن يصبح واحدا من أهم اللاعبين حاليا في القارة الأوروبية.
النشأة
ولد كيفن دي بروين يوم 28 يونيو عام 1991، وقضى أغلب فترات طفولته المبكرة في زيارات إما لمنطقة "إيلنغ" بالعاصمة البريطانية "لندن"، حيث تقطن أسرة والدته، وإما للسفر بين فترة وأخرى لدولتي بوروندي وكوت ديفوار حيث نشأت والدته في الأولى, وعاشت فترة في الثانية.
وتمثل قصة صعود دي بروين مصدر إلهام للكثيرين، حيث تميز اللاعب في سنوات طفولته بصفتين أساسيتين، وهما العمل الشاق والتصميم, إذ وصل للنجومية بعد عناء كبير ورحلة مليئة بالأشواك.
وفي السنوات الأولى من طفولة دي بروين، عاشت الكرة البلجيكية سنوات من الضياع, حيث كان المنتخب البلجيكي يقدم مستويات هزيلة، وكانوا بحاجة إلى إحداث ثورة حقيقية في كرة القدم، لكن لم يكن يتخيل أحد أن الطفل كيفن سيكون قائدا لهذه الثورة.
موهبة مبكرة
عندما كان عمره "4 سنوات فقط"، بدأ دي بروين ممارسة كرة القدم وسرعان ما لعب لنادي المدينة بمسقط رأسه KVE Drongen""، ولفت بموهبته الكروية انتباه مسؤولي جينك، لينضم بعدها إلى نادي المدينة.
وفي سن الـ"14"، كان على دي بروين أن يترك حياته الأسرية حيث يقطن والده ووالدته، من أجل الانضمام لأكاديمية جينك الداخلية، حيث قواعد صارمة تمنع رؤيته لعائلته إلا في عطلات نهاية الأسبوع.
ويقول اللاعب عن هذه الفترة: "تربيت منذ صغري على إدارة نفسي، لم أكن أحصل على الكثير من المال، هكذا علمني والداي، أنا لست شخصا ينفق الكثير من الأموال، دائما أفضّل الاحتفاظ بها لوقت الحاجة أو لقضاء العطلات".
ويضيف: "لقد عشت بمفردي منذ سن الـ14، كنت أطبخ لنفسي طعاما جيدا، تركت منزلي حينما كنت صغيرا جدا، كان قرار صعبا للغاية".
نقطة التحوّل
دموع والدة دي بروين كانت نقطة التحوّل في مسيرته وتمسكه بالنجاح وعدم الفشل، خاصة أنها جعلته يرتبط بصورة أكبر بكرة القدم.
القصة تعود إلى قرار دي بروين الالتحاق بأسرة حاضنة لمدة "12 شهرا" لأجل أن يكون قريبا من الأكاديمية، وفي الوقت نفسه يستطيع أن يكمل تعليمه، كونه أراد النجاح سواء على المستوى الكروي أو التعليمي.
وبعد مرور سنة، شعر دي بروين بأن الأمور تسير بشكل جيد وهادئ، لكنه واجه أزمة بمجرد عودته إلى أسرته، لقضاء الإجازة الصيفية في منزل عائلته، وهي رفض الأسرة الحاضنة استقباله مجددا.
يقول دي بروين: "بمجرد عودتي لمنزل عائلتي، رأيت أمي تبكي وهي تستقبلني، اعتقدت في البداية أنه ربما توفي شخص ما، فسألتها عما يحدث، فأجابت والدتي بالكلمات التي كان لها دور كبير في رسم طريق حياتي".
وأضاف: "قالت أمي إن الأسرة الحاضنة لا تريد عودتي مرة أخرى بعد الآن، لأني كنت هادئا للغاية ولم يستطيعوا التفاعل معي".
وتابع: "أصبت بصدمة وقتها، كانت مشكلة كبيرة ربما ستؤثر على حياتي المهنية، لأنني لم أكن نجما كبيرا حينها، ولكن، في تلك اللحظة بالذات، قررت أنني سأثبت نفسي وأصعد إلى القمة".
وهنا، لعبت دموع والدة دي بروين الدور في إصراره على النجاح، كاشفا عن ذلك: "كنت أتذكر مشهد أمي وهي تبكي، لأمسك بالكرة وأذهب خارج السور وأتدرب بنفسي، كنت أركل الكرة بالساعات وبصوت عال، وأقول لنفسي كل شيء سيكون على ما يرام، وفي غضون شهرين، سأكون بالفريق الأول للنادي بغض النظر عن أي شيء، لن أعود للمنزل وأنا أشعر بالفشل مهما حدث".
وبالفعل، وبعد أشهر قليلة، تدرج دي بروين في فرق الناشئين بنادي جينك، حتى تم تصعيده للفريق الأول عام 2008، ليبدأ مشواره مع عالم الاحتراف الحقيقي.
صناعة المجد بعد صدمة مورينيو
دي بروين انتظر طويلا حتى يحصل على فرصته الأولى مع جينك، إذ كان ظهوره الأول مع الفريق الأول في مايو 2009، ومنذ ذلك الوقت، أثبت نفسه مع الفريق بأهدافه وتمريراته الحاسمة.
اللاعب البلجيكي مع جينك، لعب 113 مباراة في مختلف البطولات، سجل خلالها 17 وصنع 36، وهي أمور جعلت أعين تشيلسي تلتقطه، ويقوم النادي الإنجليزي بضمه في يناير 2012، مقابل 7 ملايين جنيه إسترليني.
ولم يحصل اللاعب على فرصته كاملة مع تشيلسي لمدة 6 أشهر، لتتم إعارته في موسم 2012-2013 لفيردر بريمن الألماني ويقدم أداء جيدا عاد به إلى تشيلسي في نهاية الموسم، بعد وعد من المدرب البرتغالي جوزيه مورينيو بأنه سيكون جزءا من مستقبل النادي.
ولم ينفذ مورينيو وعده لدي بروين وجعله أسيرا لدكة البدلاء، ولم يخض اللاعب تحت قيادة المدرب البرتغالي سوى 9 مباريات فقط، مشاركا في معظمهم كبديل، ليقرر الرحيل في يناير 2014 إلى فولفسبورغ الألماني مقابل 18 مليون جنيه إسترليني.
واكتشف دي بروين نفسه بصورة كبيرة مع فولفسبورغ، وتألق بصورة لافتة للغاية، بفضل تمريراته الحاسمة، بعدما صنع 37 هدفا وسجل 20 خلال 73 مباراة بمختلف المسابقات، وهو ما دفع كبار أندية أوروبا للتسابق على ضمه.
مانشستر سيتي الإنجليزي كان هو الأنجح بين كل الفرق الراغبة في ضم النجم البلجيكي، واستطاع في صيف 2015، ضمه مقابل 55 مليون جنيه إسترليني، ليصبح حينها اللاعب الأغلى بتاريخ النادي.
وصنع دي بروين المجد مع مانشستر سيتي منذ 2015 حتى الآن، بعدما حقق معه 8 ألقاب محلية منها لقبين للدوري الإنجليزي، فضلا عن أنه أكثر نجوم جيله صناعة للأهداف في النادي بواقع 86 هدفا وذلك خلال 205 مباريات بمختلف المسابقات.
نجاح دولي
ويعدّ دي بروين أحد أفراد منتخب بلجيكا الذهبي، والذي يضم لاعبين ينشطون في كبار الأندية الأوروبية على غرار إيدين هازارد وتيبو كورتوا في ريال مدريد الإسباني، بالإضافة إلى روميلو لوكاكو في إنتر ميلان.
وبعد عدة إخفاقات في كأس العالم 2014 وأمم أوروبا 2016، لعب دي بروين دورا جوهريا في تحقيق بلجيكا إنجازا فريدا في تاريخها الكروي، باحتلال المركز الثالث في مونديال 2018، وذلك بعد خروجها في نصف النهائي أمام فرنسا حاملة اللقب (0-1)، ثم الفوز على إنجلترا في مباراة تحديد المركز الثالث (2-0).
وعلى الصعيد الدولي، لعب النجم دي بروين 74 مباراة برفقة منتخب بلاده، سجل خلالها 19 هدفا وصنع 34.