قائمة الموقع

لو لم تكن هكذا لكانت الأقرب إلى الهاوية

2020-04-15T23:15:00+03:00
صورة للكاتب خالد النجار
الكاتب والباحث: خالد النجار

يشار إلى أن غالبية دول العالم التي سقطت في وحل كورونا، لم يكن لديها بدايةً أي قناعات بخطورة الوباء، ولم تتخذ من إجراءات الأمن والسلامية الوقائية مسلكاً لمواطنيها، ولم توظف بعضاً من إمكاناتها الاحترازية البسيطة لتحمي سكانها- على قاعدة الوقاية خير من العلاج، فالوقاية توفر الجهد والمال وتوفر كذلك معظم الطاقات التي يمكن أن توظَّف حال وقوع الأزمة وإدارتها، أما العلاج فقد يحتاج إلى طاقة هائلة بشرية ومادية وأخرى سياسية في عالمنا المعاصر، فلا مجال لإدارة أي أزمة دون أن يكون للسياسة أي دورٍ فاعل، فالمستوى السياسي غالباً ما يكون هو صاحب القرار، لامتلاكه السلطة- سلطة القانون والمتحكم في كافة مفاصل الدولة.

الدول العظمى أنموذج يُحتذى به في إدارة الأزمات العالمية التي سبقت كورونا، وهناك بعضاً من النظريات العلمية الإدارية التي تتبع لمدارس غربية، تُدرّس في جامعاتنا إلى يومنا هذا، بل تدخل كمتغير في الأطروحات العلمية العليا لدى الكثير من الباحثين، وهناك تطوراً هائلاً ومستمراً على تلك النظريات والتي أثبتت نجاعتها في إدارة الدولة والحكم، رغم ذاك لم تغفر تلك النظريات الزلات البسيطة التي سلكتها الشعوب بمعزل عن قرارات الدول، وجعلت منها قاعدة لتفشي الوباء وانتشاره والقضاء على الآلاف من السكان. فالأمر لا يحتمل الخطأ مهما كان بسيطاً، ومن يعبث بسلاحه لم يبق أمامه إلا اختيار المصير المحتوم (الموت).

ولو عدنا قليلاً إلى تلك الأخطاء التي قتلت وأصابت الآلاف، لوجدنا إيطاليا أحد تلك النماذج، التي أصيبت بكارثة نتيجة انتقال العدوى من شخص قادم من الجمهورية الصينية، ليقتل الآلاف ويجعل من إيطاليا أنموذجاً عالمياً للكوارث، فهل ما أصاب تلك الدول لا يقبل التأويل أو التصديق قياساً بما تملكه من مقدرات طبية ووقائية وأمنية ومالية،...إلخ؟.

مسك الختام أن غزة أعدت جيشاً مقاوماً، صحياً وأمنياً، تعانقت أهدافهم في دورة وظيفية شكلت من خلالها خلية إدارة الأزمة، فالوضع بالقطاع لا يحتمل الخطأ مهما بلغت التعقيدات ومهما قابلت تلك الخلية المزيد من التحديات، التحديات التي يفرضها الاحتلال، وإن كان غالبيتها اقتصادية وأمنية، والتحديات التي تشكلت نتيجةً لفرض الإجراءات والعقوبات غير القانونية على غزة والتي زادت من تعقيدات المشهد في مواجهة الوباء، ولسنا بعيدين عن حالة الانهيار الصحي بوزارة الصحة الفلسطينية بغزة، والعجز المستمر في عدد كبير من أصناف العقاقير والمعدّات الطبية، والظروف غير الملائمة التي حلّت بها الجائحة، وخطورة الانقسام الفلسطيني بين الضفة والقطاع وتداعيات هذا الانقسام على القطاع الصحي والمالي والأمني ...إلخ، رغم تلك التحديات استطاعت غزة بمشيئة الله تعالى أن تحافظ على أبناءها، رغم محدودية الإمكانات، وانعدامها تارةً، ورغم حالة الفزع الكبير الذي أصاب سكان القطاع حين سُجلت أول حالتان مصابتان من المحجورين.

الإجراءات التي اتخذتها غزة لم تضاهي في حقيقتها إجراءات الصين العظمى التي سيطرت على الوباء، بل عملت بتوفيق من الله ثم بجهود المخلصين الأوفياء الذين وهبوا أنفسهم قرباناً وجنّدوا إمكاناتهم خدمةً لشعبهم ومقاومته الباسلة. فالجميع يعلم تماماً أن الخطأ هنا سيحل بالكارثة التي ستقضي على ما تبقى من آمال شعبنا ومقاومته المسلحة.

فمنذ اللحظات الأولى كُرست الجهود للمقاومة بحدي السيف، الأول يقاوم وقائياً، والآخر يقاوم ليحمي ظهر المقاومة – مشروع الكل الفلسطيني. فلو لم تكن هكذا لكانت الأقرب إلى الهاوية.

اخبار ذات صلة