قائد الطوفان قائد الطوفان

لاءات "إسرائيل" وحلقة الحوار المفقودة

صالح النعامي    

فجأة ومع اقتراب موعد انعقاد الجولة الثانية من الحوار الوطني تراجع منسوب التفاؤل بأن تسفر هذه الجولة عن انطلاقة تفضي إلى إنهاء حالة الانقسام الداخلي التي أتت على الأخضر واليابس.

لا يمكن للمرء أن يتجاهل خطورة وحساسية القضايا التي يفترض أن تتم مناقشتها خلال هذه الجولة، سيما الملف الأمني الشائك الذي يتكون بدوره من قضايا بالغة التعقيد، وعلى رأسها ما بات يعرف بـ " الشراكة الأمنية "، والتي تعني نزع سيطرة حركة فتح عن الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية وتخلي حركة حماس عن السيطرة المطلقة على الأجهزة الأمنية في قطاع غزة.

وإن كنا قد نوهنا في مقال سابق إلى أن تحقيق الشراكة الأمنية هو من سابع المستحيلات، تحديداً في الضفة وذلك لأن "إسرائيل" – ببساطة – لن تسمح لحركة حماس بأي تواجد في أي جهاز أمني فلسطيني في الضفة الغربية، وهي الحركة التي تتعرض إلى حرب اجتثاث واضحة المعالم.

وإن كان المرء يدرك المسوغات التي تدفع "إسرائيل" لعدم السماح لأنصار حماس بالتواجد في الأجهزة الأمنية ، فإن الذي يثير الاستهجان هو أن السلطة وتحديداً "حكومة سلام فياض" تعطي كل المؤشرات التي تؤكد أنها غير معنية بإحداث أي تغيير في المعادلة الأمنية في الضفة.

ولعل أوضح المؤشرات التي أصابت كرامة الشعب الفلسطيني في الصميم هي قيام الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة في الضفة بتوجيه دعوة رسمية لرئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي جابي إشكنازي لزيارة مدينة بيت لحم. الناطقون باسم هذه الأجهزة اعتبروا أن الزيارة سياحية ولا تحمل بعداً أمنياً أ سياسياً، لكن الناطق باسم الجيش الإسرائيلي أحرج قيادة السلطة عندما أعلن بشكل لا لبس فيه أن الزيارة تأتي بهدف الإطلاع على " عمق التنسيق الأمني بين الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة والجيش الصهيوني في حربهما المشتركة على حركات "الإرهاب ".

بالطبع لا يحتاج المرء أن يتقن فن ضرب الفنجان حتى يدرك أن المقصود هو أن المقصود هو ضرب حركات المقاومة وعلى رأسها حركة حماس التي هي الشريك الرئيس لحركة فتح في حوارات دمشق، وهو بالمناسبة ما حدا بإقليم بيت لحم في حركة فتح أن يصدر بياناً شديد اللهجة ينتقد فيه الأشخاص المسؤولين عن دعوة اشكنازي. أن هذه الإشارة الفاقعة تدلل بشكل لا يقبل التأويل على أنه لا أمل في أي تؤدي لقاءات دمشق إلى اختراق في جهود المصالحة، وهي بالمناسبة تنضم إلى مؤشرات سلبية أخرى، منها استضافة رئيس جهاز المخابرات الداخلية الإسرائيلي يوفال ديسكين الذي يوصف بمهندس عمليات التصفية ضد المقاومين من قبل الأجهزة الأمنية في مدينة جنين ليوم كامل، حيث كان الهدف المعلن من الزيارة هو أيضاً الإطلاع على ما تقوم به الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة من جهود في تعقب المقاومين. ولا داعي هنا للتذكير بقيام قيادة جهاز حرس الرئاسة التابع لعباس بدعوة الجنرال آفي مزراحي قائد المنطقة الوسطى في الجيش الصهيوني بحضور المناورات التي نظمها الجهاز في رام الله قبل عدة أشهر.

ومن المؤشرات المحبطة هو قرارات المحاكم العسكرية التابعة للسلطة في كل ما يتعلق بإصدار أحكام السجن العالية ضد قادة ونشطاء " كتائب عز الدين القسام "، الجناح العسكري لحركة حماس. فأي رسالة تود السلطة نقلها للشعب الفلسطيني في الوقت الذي تصدر فيه حكماً بالسجن عشرين عاماً على القيادي القسام علاء ذياب، وعلى ناشط آخر حكماً بالسجن اثنى عشر عاما وعلى زوجته عام، هذا في الوقت الذي يعيش الفلسطينيون صدمة عملية اغتيال الشهيد نشأت الكرمي القيادي في " كتائب القسام "، على أيدي قوات الاحتلال في مدينة الخليل، في الوقت الذي يقوم فيه المستوطنون بدهس أطفال القدس، على خلفية عمليات حرق المساجد والقرآن في الضفة الغربية من قبل المستوطنين، الذين أفتى حاخاماتهم بتكثيف مظاهر النيل من رسول الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم.

ومن المؤسف أن بنحاس فالنشتاين رئيس مجلس مستوطنات في الضفة قد أثنى على دور الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة في تحسين مستوى الأمن الشخصي للمستوطنين.

أن رفض "إسرائيل" لأي تواجد أمني لحماس في الضفة الغربي لا ينبع فقط من مخاوف الكيان الأمنية من هذه الحركة، بل لأن "إسرائيل" ترفض المصالحة الوطنية لأن تحقيقها ينذر بخسارة "إسرائيل" أهم انجاز حققته من حالة الانقسام، وهو وضع حد للوحدة السياسية لكل من الضفة الغربية وقطاع غزة.

في نفس الوقت فإن بقاء حالة الانقسام الفلسطيني الداخلي على حالها يمنح "إسرائيل" هامش مرونة كبير ويسمح لها برفض التقدم في أي خطوة على صعيد المفاوضات المباشرة مع "إسرائيل"، حيث أن نتنياهو يمكنه القول دائماً أنه لا يمكنه التوصل لتسوية مع عباس على اعتبار أن الأخير لا يمثل جميع الفلسطينيين، بسبب وقوع قطاع غزة تحت سيطرة حماس.

ويذهب وزير خارجيته أفيغدور ليبرمان إلى أبعد من ذلك عندما اشترط مجرد مواصلة المفاوضات مع السلطة بأن يستعيد عباس سيطرته على قطاع غزة، حيث أنه من الواضح أن طرح هذا الشرط تعجيزي يهدف بدرجة أولى إلى نقل الكرة لملعب السلطة التي ستكون مطالبة دائماً بسلسلة لانهائية من الاشتراطات.

أن ما تقدم يدلل على أن حركة خطأً جسيماً يرتكب في حال تجاهل تواصل تجاهل الحلقة المفقودة والمهمة والتي كان يتوجب تركيز الاهتمام عليها، وهي: التوصل لاتفاق على برنامج قواسم مشتركة يتضمن الحد الأدنى من التوافقات الوطنية المطلوبة والتي بدونها سيتفجر كل اتفاق مصالحة مستقبلي.

ولعل أهم قضيتين يتوجب التوافق بشأنهما: المقاومة، والمفاوضات؛ وليس المطلوب بكل تأكيد أن تتبنى حركة حماس مواقف فتح من التسوية والمقاومة والعكس صحيح، لكن في المقابل لا مناص من تحقيق الحد الأدنى من التفاهمات بشأن هاتين القضيتين، لأنه بدون هذا التوافق ستظل عوامل تفجير الوضع الفلسطيني الداخلي قائمة وقابلة للاشتعال عند أول اختبار.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل هذا المطلب قابل للتنفيذ في ظل الواقع الحالي؟.

البث المباشر