بعد أن أغلق سوق النفط الخام الأميركي، مساء أمس الإثنين، سعر برميل النفط على سالب 37 دولار، يصعُب في البداية فهم الظاهرة والأرقام التي تتبعها، لأنها ببساطة لا تحدث كلّ فترة وجيزة، ويُفهم من ذلك أنه من الواضح أن البائعين اضطروا إلى أن يدفعوا للمشترين ليستلموا النفط الخام منهم.
وهذه الحالة تستحق الشّرح
لا يمس هذا الانهيار التاريخي سوى نفط غربي تكساس الوسيط الذي يعد مرجعًا في السوق الأميركية بينما بالنسبة لأوروبا فإن نفط برنت بحر الشمال هو الذي يحدد الأسعار. لكن برنت، ومع تعرضه للضغط الشديد، ما زال في الوقت الحالي يباع بنحو 20 دولارًا.
وقال جون بلاسارد من شركة ميرابو الاستثمارية في مذكرة الثلاثاء، إنه "هناك فجوة تاريخية تفصل حاليا بين السعرين المرجعيين لأسواق النفط".
يعود السبب بشكل رئيسي إلى ضخامة الإنتاج الأميركي من النفط، ولا سيما من النفط الصخري ومن تراكم احتياطيات هائلة في محطة كوشينغ في أوكلاهوما والتي فاضت عن طاقتها التخزينية في وجه التباطؤ الحاد للاقتصاد الأميركي من جراء جائحة كورونا المستجد.
ومن الواضح أن بائعي النفط الخام لا يواجهون فقط مشكلة في العثور عمن يشتري النفط، بل في تخزين الفائض أيضًا، ومن هنا حدث التقهقر الكبير الإثنين.
علاوة على ذلك، يستدعي السعر "السلبي" استكشاف الآليات التقنية إلى حد ما لسوق النفط والتي يغفل عنها الجمهور العام في معظم الأحيان.
سوق النفط هو من النوع الذي يسمى بسوق "العقود الآجلة"، يتم التفاوض على الأسعار قبل عدة أسابيع من الموعد المحدد للتسليم. وبالتالي فإن ما يتم تداوله ليست البراميل بحد ذاتها وإنما عقود مدعومة بالنفط نفسه.
أصبحت هذه الآلية التي صممت في الأصل كتأمين ضد تقلبات الأسعار، موضوعًا للمضاربة.
انتهى أجل عقود النفط الخام في بداية الأسبوع، أي الاثنين، الذي سيتم تسليمه في أيار/ مايو واضطر المضاربون إلى استلام النفط الذي اشتروه بالفعل.
ولكن بما أنهم غير قادرين على تخزينه، فقد فضلوا تعويض "نظيرهم" في العقد عبر الدفع لإلغاء الشراء، ومن ثم تحول البرميل إلى السعر السلبي.
قال ستيفن إينيس من "أكسي تريدر" إنه "نظرًا لأن خام غرب تكساس الوسيط يجب أن يتم تسليمه ماديًا وأن تكلفة الوصول إلى الخزانات باهظة الثمن، فإن تكلفة التخزين في أيار/ مايو تتجاوز القيمة الجوهرية للنفط في الشهر نفسه".
ويشدد أنه "ما لم يكن هناك تدخل منسق، قد يفقد عقد حزيران/ يونيو أيضًا كل قيمته، ومن هنا تردد صدى صيحات 'احتموا' في الأسواق العالمية".
وبلغ سعر هذا العقد الخام يوم الثلاثاء، غربي تكساس الوسيط المقرر تسليمه في حزيران/ يونيو، حوالي 16 دولارًا، بانخفاض حاد.
ووراء هذه الاضطرابات قصيرة المدى التي تبدو غير منطقية، هناك حركات جوهرية تهز سوق النفط. ويُذكر على وجه الخصوص الحرب بين المنتجين. انخرطت روسيا ومنظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)- وخصوصًا السعودية زعيمة الكارتل، منذ شهرين في زيادة الإنتاج التي أدت إلى انخفاض الأسعار.
ويذكر جون بلاسار بأنه "في اجتماع "أوبك بلاس" (أوائل آذار/ مارس)، فرط وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك عقد التحالف بين موسكو والرياض اللتين كانتا تؤمنان منذ ثلاث سنوات توازنا دقيقًا في السوق. وإلى هذا أضيفت تداعيات وباء كوفيد-19.
ثم قررت السعودية فتح صنابير النفط في مواجهة موسكو فدخلت أسعار النفط في دوامة تنازلية. ولم ينجح في وقفها الاتفاق منذ ذلك الوقت على خفض الإنتاج، إذ تسبب الركود الاقتصادي العالمي بخفض الاستهلاك.
ومع فرض الحظر على الطيران والسفر والتنقل وتوقف المصانع بسبب الحجر الصحي، انهار الطلب، وهو أمر سيستمر لفترة.